وصال.. شابة تونسية تكسر الأنماط وتقتحم الأعمال الشاقة
شابة تونسية لم تتجاوز الـ21 من عمرها، تنجح في أن تجذب إليها الأنظار عبر مواقع التواصل، وإن بشكل تلقائي غير مقصود بالمرة.
حين تتناهى إليك نبرات صوتها الهادئ عبر الهاتف، لن تعتقد أبداً أن صاحبته هي تلك الشابة التونسية التي كسرت النظرة المجتمعية والأحكام المسبقة إزاء العديد من المهن التي لا يزال كثيرون يجزمون بأنها ينبغي أن تكون حكراً على الرجال.
وصال التيمومي، شابة تونسية لم تتجاوز الـ21 من عمرها، لكنها استطاعت أن تجذب إليها الأنظار عبر مواقع التواصل، وإن بشكل تلقائي غير مقصود بالمرة، كما تقول، بعد أن استعرضت لمحة عن حياتها وعملها مع والدها في أشغال المقاولات والبناء وإصلاح الشاحنات.
لمحة كانت كافية لتثير الانتباه وتسلط الضوء على شابة تحدت القوالب الجاهزة، لترفع شارة النصر بوجه التقسيمات الجاهزة في المجالات المهنية، وتؤكد أن لا شيء بقادر على كبح جماح الطموح حين تتوفر الإرادة.
وصال اختارت "العين الإخبارية" لتستعرض حكايتها، أملاً بأن تكون رسالة إلى الأجيال الحالية وخصوصاً إلى الفتيات ممن لا يزلن منغلقات ضمن الحدود التي يرسمها المجتمع لمجال الأنشطة المهنية التي ينبغي أن يمارسنها.
أنا وأبي.. قصة لا تشبه الحكايات
تتابع وصال اليوم دراستها الجامعية في اختصاص التمريض، بعيداً عن المجال الذي اختبرته منذ صغرها مع والدها المقاول.
تقول وصال متحدثة عن البدايات: "كنت في الخامسة من عمري، وكنت متعلقة جداً بوالدي، إلى درجة أني كنت ألحق به في عمله، فقط لأراه وأجلس قريباً منه أرقبه، ويحدث أن أنام وأنا مستلقية على كوم من الرمال المخصصة لأشغال البناء، أو في أي مكان في العراء".
وبحكم وجودها بالقرب منه، بدأت تستوعب منذ نعومة أظافرها أسرار مهنة والدها، قبل أن تطالب حين أصبحت أكبر قليلاً، بمساعدته.
الأمر لم يحدث بسبق إصرار كما تقول، بل حدث بشكل تلقائي، إذ كانت تساعد والدها في إفراغ حمولة شاحنة من الرمل أو من الطوب أو من غيرها من مواد البناء، أو إصلاح شاحنة، أو مد تجهيزات كهربائية.
لم تمنعها دراستها من استراق فترات راحتها والذهاب إلى أماكن عمل والدها، لم يكن أي شيء ليمنعها من فعل ذلك، وكانت تترقب العطل المدرسية بفارغ الصبر، للعودة إلى المكان الذي تحبه فقط لأن والدها فيه.
"برهوم".. هروباً من الانتقادات
حين أصبحت مراهقة، باتت النظرات تترصدها من كل جانب؛ إخوتها الذكور ينتقدون وجودها في مكان مخصص للرجال، وأخواتها الإناث يسخرن من يديها الخشنتين بسبب عملها، ويخبرنها بأنه لا يوجد عريس قد يرضى بأن يضع خاتماً في إصبع يد فاقدة للنعومة بفعل الإسمنت.
وفي مواقع العمل، كانت ذات النظرات المحملة بالأسئلة تحاصرها في كل مكان من مدينتها بمحافظة القيروان وسط البلاد، ما جعلها تبرم اتفاقاً مع والدها، أسماها بمقتضاه "برهوم"، سعياً نحو منحها سمة "ذكورية" تقلص من منسوب الانتقادات والنظرات المتسائلة التي لا تهدأ ولا تنضب.
وبسؤالها عما إن كان الأمر سبب لها مضايقات أو جعلها تفكر في مقاطعة أماكن عمل والدها حتى تنجو من تلك النظرات، ردت ضاحكة: "أبداً، بالعكس كنت أعمل بكل عزيمة وأمانة، ولم يكن رأي الآخرين ليؤثر في موقفي أو عملي أبداً".
العطاء
البعض ممن اطلع على منشورات وصال عبر موقع التواصل "فيسبوك"، قد يتراءى لذهنه أن الفتاة تعمل بدافع الحاجة، وهو ما نفته بشكل قاطع، مؤكدة أن الوضع المادي لعائلتها جيد.
وصال أكدت أن ما تفعله نابع من قيمة العطاء التي ورثتها وتعلمتها من والدها، مشيرة أنها تدرس وتساعد والدها في عمله الشاق، ومع ذلك فإنها حين تعود إلى المنزل، تساعد والدتها في أعمال الطبخ والتنظيف، غير أن لا أحد عادة يركز على الجزء الأخير من الحكاية، طالما أن تلك الأعمال تعتبر بديهة، مجتمعياً، من وظائف المرأة، على حد تعبيرها.
لكن، ما يظل عالقاً في الذاكرة الجماعية للناس هو فقط عملها في مواقع البناء، وجميع التفاصيل المتعلقة بوجود تلك الفتاة على أسطح المنازل، جنباً إلى جنب مع الرجال، وهذا ما أكدت وصال أنها حاولت تغييره بشكل غير مباشر، وإن لم تستثن وجود "متفهمين" لعملها.
واليوم، تواصل وصال دراستها في محافظة سوسة، عل بعد أكثر من 55 كيلومتراً من مدينتها، ومع ذلك، يحدث أن تقتنص وقتاً راحتها بين فترتي الدراسة اليومية، وتعود إلى القيروان لتناول الغداء مع والدها، قبل أن تعود لاستئناف دروسها بالفترة المسائية.
هي الفتاة التي اختارت أن تجمع كل المهن، وأن تتعلم أسرار العديد من المجالات، وأن تتلون يداها الصغيرتان بسواد زيوت المحركات، وتتخلى عن رقتهما جراء حمل الطوب والأسلاك الشائكة والإسمنت، مسكونة بعطاء لا ينضب، وحب لا ينتهي لوالدها ولكل الأشياء التي أحبت أن تقوم بها معه، فقط لتشعر بأنها قريبة منه، وبأنها قادرة على مساعدته وتخفيف أعباء الحياة عليه.
aXA6IDE4LjExOC4zMC4xMzcg جزيرة ام اند امز