مستشفيات غزة.. الممرات للمرضى والأهازيج علاج جرحى العودة
مصابون في جمعة العودة يتلقون العلاج في مستشفيات غزة بالتحدي والأغاني
يداه تتراقصان في الهواء، رغم إصابتهما، ولسانه يصدح بالأغاني، والمواويل، ما من وجع يهزي، ولكن ماهر المصاب بطلق ناري واحد، اخترق يده اليمنى، وأصاب اليسرى، يتحدى ألمه على سرير العلاج في مستشفى الشفاء بمدينة غزة.
هذا التحدي الذي ينتصر على نقصان الأدوية، وقلة الرعاية لكثافة الإصابات، ولهذا شكل فريقاً من المصابين يشاركونه التداوي بالتحدي والأغاني.
ماهر من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وسكان هذا المخيم مهاجرون من فلسطين التاريخية، بعد نكبة عام 1948م، وخاصة من الساحل الفلسطيني، فهم يعشقون البحر، ويعتاشون من الصيد، وماهر صياد، عشق المرح والندرة، والأغاني الوطنية، والدحية، ووجد في جسده طاقة وفي روحه غاية، ليشارك بمخيم العودة المقام شرق غزة، فكانت مشاركته إضافة لإصدقائه، وتحولاً في حياته، بعد قنصه برصاصة واحدة اخترقت يديه الاثنتين
ماهر يقول لـ"العين الإخبارية":" ذهبت مع أصدقائي، لدعم حقنا في العودة إلى بلدتنا الأصلية (حمامة) في فلسطين، وسلاحي حنجرتي، ويدان ترقصان في الهواء، أمام الجندي الإسرائيلي، لم أحمل بندقية، ولا زجاجة حارقة، ويبدو أن القناص الإسرائيلي يكره الأغاني العربية".
وأضاف "فأطلق النار عليّ، بعد أن أطلقت الأغاني عليه، وبتحدٍ أقول إننا عائدون، ولن ننكسر، وإذا لم تأتِ لنا الحياة، ذهبنا إليها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا"
أحمد الملاصق لماهر في سرير منفصل بممر مزدحم في ذات المستشفى، يغرد الموال، ويرفع الروح المعنوية للجرحى بالطرفة حيناً، وبالأهازيج أحياناً، فالرصاصة التي اخترقت قدمه، وفتكت بعظام كعبه الأيسر، لم تثنه عن تحدي الإعاقة ببعث متجدد ، من أجل الحياة.
ويقول أحمد لـ "العين الإخبارية"، وهو من منطقة الزيتون، شرق مدينة غزة: "إصابتي هذه ليست الأولى، ولكنها الثانية بعد إصابتي الخطيرة، في عدوان إسرائيل على قطاع غزة عام 2014 والتي كادت أن تقضي على حياتي، ومعاناتي لسنوات في المستشفيات علمتني، أن أتغلب عليها بما هو مستطاع، ولا غرابة أن أصدح بالأهازيج، وأشغل نفسي ومن حولي من المصابين بالطرفة، والهروب من نواقص العلاج، وغياب الطواقم الطبية لفترات طويلة".
أحمد يقول إن "الألم الذي يحاول أن يهزمني، كالجندي الإسرائيلي الذي تربص بي، ولا بد من تحدٍ، هكذا تعلمنا من كبارنا، أن نتحدى بالحياة، غول الموت الذي يطاردنا في كل يوم".
الشاب سامر وهو من نفس منطقة أحمد، وينام على سرير ثالث في الممر عينه بمستشفى الشفاء، غرب مدينة غزة، يفعل ما يفعله زميلاه، ويصفق بيديه، رغم إصابة قدمه اليمنى برصاص مطاطي، أسعفه أبن عمه، وبكى عليه بحرقة، وهو يتألم أول إصابته، ولكن بعد حين، أشفق المصاب على المسعف فأخذ يهدئ من روعه، ويخفف عليه، بقوله:" الرب واحد، والحياة مرة واحدة".
سامر الذي يغني ويصفق رغم جراحه، خريج جامعي، ولكنه عاطل عن العمل، وكل ما يريده كما قال لـ "العين الإخبارية":" الحياة التي يطلبها كل شاب في هذه الدنيا، لا شيء أكثر، وذهابي إلى شرق غزة، ورفع العلم الفلسطيني، في مسيرة العودة، كان تعبيراً عن مطلبي في الحياة، ولم أكن ذاهباً للموت، وإسرائيل لا تفهم سوى لغة القتل، والتدمير والإرهاب، هم لم يحتلوا أرضنا فقط، ولكنهم يطاردون الحياة في أرواحنا، ويقتلوننا كما وكأنهم يلعبون، ولا أحد قادرٌ على لجمهم، ورغم ذلك لن نتنازل عن حقوقنا، وإذا شفيت سأعود إلى الشريط الشرقي، وسأغني وأصدح بحنجرتي، وأرقص أمام الدبابة والمدفع، وتحت الطائرة، ولن يرهبني رصاص، ولا غاز، هي حياتي، فإما أن أعيشها بشموخ وعزة نفس، أو الموت".
ماهر وأحمد وسامر لا سابق معرفة بينهم، ولكن الثلاثة أكدوا أنهم شاركوا في مخيم العودة المقام منذ الثلاثين من الشهر الماضي، على تخوم قطاع غزة الشرقية، وهم من رواده يومياً، وسهروا فيه الليالي، وكان ألبوم ذكرياتهم حافلا هناك، مرحلة وإن انتهت بإصابات في اليدين والقدم، يقولون إنهم غير نادمين بالمطلق عليها.
المتحدث باسم الصحة في غزة، الدكتور أشرف القدرة يقول:"إن عدد الشهداء حتى فجر اليوم الاثنين، وصل إلى 31 شهيداً، منهم شهيدان محتجزان لدى الجانب الإسرائيلي، وعدد الإصابات 2860 إصابة، من بينها بعض الإصابات الخطيرة، والتي يرفض الجانب الإسرائيلي منحها تصريح مرور للمستشفيات الإسرائيلية أو مستشفيات الضفة للعلاج.