حرب غزة تعمق «جراح» أمريكا بأفريقيا.. تحديات طويلة المدى
مع استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل في حربها على غزة، بدأت تبعات هذا الدعم «غير المشروط»، تتضح بصورة عكسية على تواجد الولايات المتحدة، في قارة أفريقيا.
فموقع «ريسبونسيبل ستيت كرافت» الأمريكي، قال في تقرير له، إنه من بين التحديات الدبلوماسية العديدة التي تواجهها الولايات المتحدة، في خضم الحرب بغزة، يتمثل في نفور بلدان الجنوب العالمي، بما في ذلك أفريقيا التي تحتل دولها، قائمة متقدمة، من بين أولئك الذي يرون «نفاقًا واضحًا في الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل».
ورغم أنه يصعب التعميم بشأن الرأي العام الأفريقي، خاصة في ظل غياب بيانات استطلاعات الرأي على مستوى القارة فيما يتعلق بحرب غزة، إلا أن ردود أفعال الحكومات الأفريقية التي كانت منقسمة في البداية على الحرب، تشير إلى أن معظم تلك الحكومات، والفصائل السياسية الأفريقية الرئيسية، وقطاعات كبيرة من الجماهير الأفريقية متعاطفة مع القضية الفلسطينية، وتشعر بالصدمة، إزاء الحملة العسكرية الإسرائيلية الحالية في غزة.
تحول أفريقي
ويقول الموقع الأمريكي، إنه رغم أن إسرائيل زادت في العقود الأخيرة من وجودها الدبلوماسي في القارة، إلا أنه في الأزمة الحالية (حرب غزة)، عارضت الحكومات الأفريقية جميعها تقريباً القصف الإسرائيلي واجتياح القطاع المحاصر.
فعلى سبيل المثال، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مقترحا أردنيا يدعو إلى «هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الحرب» بأغلبية 120 صوتا مقابل 14 صوتا، فيما امتنعت 44 دولة عن التصويت.
ويظهر التصويت، أن 35 دولة أفريقية (بما في ذلك دول شمال أفريقيا) صوتت لصالح القرار، بما في ذلك المغرب والسودان، الموقعان على اتفاقيات إبراهيم في أواخر عام 2020. ولم تصوت أي دولة أفريقية ضد القرار.
ويقول الموقع الأمريكي، إن تلك الأصوات التي وقفت لصالح القرار، وتلك التي رفضت التصويت ضده، كانت بشكل صريح ضد الرغبات الأمريكية.
ليس هذا فحسب، بل إنه على المستوى الدبلوماسي، يواصل الاتحاد الأفريقي دعم حل الدولتين، وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انضم إلى جامعة الدول العربية في بيان يدعو إلى السلام ويندد بـ«العقاب الجماعي» - في إشارة إلى الخسائر البشرية المرتفعة الناجمة عن القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة.
تحركات أفريقية
وبحسب موقع «ريسبونسيبل ستيت كرافت» الأمريكي، فإنه في الوقت نفسه، استدعت دولتان أفريقيتان على الأقل دبلوماسييهما من إسرائيل، وهما: جنوب أفريقيا وتشاد.
ففي 6 نوفمبر/تشرين الثاني استدعت جنوب أفريقيا، سفيرها من إسرائيل، مشيرة إلى مقتل مدنيين في غزة وما أسمته وزيرة الخارجية ناليدي باندور بـ«العقاب الجماعي» لسكان غزة من قبل إسرائيل، وما وصفته حكومتها -أيضًا- بأنه «إبادة جماعية».
وقبل ذلك بيومين، استدعت تشاد القائم بالأعمال من تل أبيب، داعية إلى «وقف لإطلاق النار يؤدي إلى حل دائم للقضية الفلسطينية».
وعن خطوة تشاد، قال «ريسبونسيبل ستيت كرافت»، إنها كانت ذات أهمية خاصة لأنها قامت مؤخرًا فقط برفع مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل وافتتحت سفارة في فبراير/شباط الماضي.
وبحسب الموقع الأمريكي، فإن بعض الدول الأفريقية التي بدت في البداية داعمة لإسرائيل بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول مباشرة، اتخذت منذ ذلك الحين مواقف مختلفة، مع تزايد عدد القتلى جراء الرد الإسرائيلي؛ فكينيا، على سبيل المثال، أدلت في البداية ببيان قوي عن «تضامنها» مع إسرائيل، لكنها عادت، ودعت إلى ضرورة خفض التصعيد.
وفي شمال أفريقيا، كانت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين أقوى مما كانت عليه في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حتى إن المغرب - أحد الموقعين على اتفاقيات إبراهيم يسمح باحتجاجات ضخمة، بحسب الموقع الأمريكي، الذي قال إنه من ناحية أخرى، في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كانت حتى حكومات بعض البلدان ذات الأغلبية المسلمة مترددة في السماح بمواصلة الاحتجاجات.
وأضاف: في 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على سبيل المثال، رفضت السنغال السماح للتحالف الوطني للقضية الفلسطينية في السنغال بتنظيم احتجاجات. وفي الوقت نفسه، شهدت جنوب أفريقيا، بعضًا من أكبر الاحتجاجات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى.
حملة «فاشلة»
ويقول موقع «ريسبونسيبل ستيت كرافت» الأمريكي، إن عبارات الإدانة للسياسة الإسرائيلية تردد صداها في أجزاء مختلفة من القارة الأفريقية على خلفية حملة وصفها بـ«الفاشلة» إلى حد كبير من جانب الولايات المتحدة؛ لإقناع الحكومات الأفريقية بالانحياز إلى جانبها في الحرب الأوكرانية.
وأوضح أنه قبل وبعد قمة القادة الأمريكية الأفريقي، التي عقدت في واشنطن في ديسمبر/كانون الأول 2022، وجد مسؤولو إدارة بايدن حلفاء قدامى، مثل الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، غير راغبين في الانفصال التام عن روسيا.
وتابع: نظراً للدعم المالي والدبلوماسي والعسكري الهائل الذي تقدمه واشنطن حالياً لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والجيش الإسرائيلي، فإن اصطفاف الحكومات الأفريقية ضد روسيا - أو في صراعات أخرى ذات صلة عالمياً - قد يصبح أكثر صعوبة.
وبحسب الموقع الأمريكي، فإنه في الجنوب العالمي، تبدو فكرة «النظام الدولي القائم على القواعد» جوفاء بالنسبة للعديد من الحكومات وشعوبها، كون الحكومات الغربية (مع استثناءات قليلة، مثل أيرلندا) تقدم دعمًا غير مشروط تقريبًا للهجوم العسكري الإسرائيلي، في إجراءات قال إنها تمثل «انتهاكًا واضحًا للقوانين الدولية ضد العقاب الجماعي، واستهداف المدنيين، واستهداف الصحفيين، وقطع الغذاء والماء والكهرباء».
لا مبالاة
وفي مجلة «ذا كونتيننت»، وهي مجلة مؤثرة في جنوب أفريقيا، يتهم أحد المعلقين البارزين الولايات المتحدة (وألمانيا، من بين دول أخرى) بـ«النفاق الشديد» في التعامل مع فلسطين، واستدل على ذلك بالاعتذار العلني الذي قدمه الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير في تنزانيا في وقت سابق من هذا الشهر بشأن الإبادة الجماعية.
وأعرب أحد الكتاب الكينيين عن أسفه لأن «حكومة الولايات المتحدة تبدو لامبالية إزاء الضحايا وعدد الوفيات الفلسطينيين، إضافة إلى أن وسائل الإعلام الغربية، أصبحت ناطقاً باسم الدعاية الأمريكية والإسرائيلية».
وبحسب موقع «ريسبونسيبل ستيت كرافت» الأمريكي، فإنه في خضم الحرب الأوكرانية والأزمة في غزة، يشعر بعض الأفارقة أن الصراعات والمآسي التي تشهدها القارة (في السودان، وإثيوبيا، وأماكن أخرى) تم تجاهلها، وهي ديناميكية حذر منها مراقبون مخضرمون أيضا، مشيرًا إلى أن واشنطن قد تجد صعوبة متزايدة في إقناع الأفارقة بأن الولايات المتحدة تمثل مجموعة معينة من القيم العالمية.
وأكد الموقع الأمريكي، أن التضامن الأفريقي مع القضية الفلسطينية، الذي يحركه أحيانًا: العرق والدين والسياسة وغيرها، سيؤدي إلى تراجع بعض المكاسب الدبلوماسية لإسرائيل ويشكل تحديات طويلة المدى للنفوذ الدبلوماسي لواشنطن.
aXA6IDMuMTQ5LjI1MC4xOSA= جزيرة ام اند امز