«سنموت قصفا أو خوفا».. صدى غزة يحاصر طالباتها في مصر
في كل مرة يدوى فيها صوت القصف بغزة تلتصق سجى بهاتفها تضغط أزراره بيد مرتعشة فيصلها صوت والدتها يقول «إن لم يقتلنا القصف سنموت خوفا».
فمنذ 13 يوما، تلتصق سجى وغيداء وهيا بهواتفهن للاطمئنان -كلما أمكن- على أهاليهن الموجودين في قطاع غزة الذي يبعد أقل من خمس ساعات عن القاهرة، لكن لا سبيل للوصول إليه.
تحدثت سجى سامي للمرة الأخيرة مع أسرتها بعد أن كانت تركت المنزل ولجأت إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة على أمل الاحتماء من القصف الإسرائيلي الآتي من البحر والجو وعبر الحدود البرية.
وتقول الشابة الفلسطينية ذات العشرين عاما: "لا أستطيع التركيز". مع ذلك، تقدّمت لأداء امتحاناتها قبل بضغة أيام.
وتقول الطالبة التي تدرس الطب في مصر: "شعرت أنني سأصاب بالجنون ولا أعرف ماذا أفعل وبم أفكّر، لا أعرف كيف أتصرف.. لا أعرف أين أهلي... هل هم بخير، هل هم أحياء؟".
وتتابع أنها في كل مرة تتصل بأهلها يأتيها صوت أمها التي تشدّد عليها على أن تنتبه لنفسها، وتقول لها: "الله يعلم إن كنا سنبقى على قيد الحياة". وتضيف بيأس: "ماذا أفعل عندما أسمع هذا الكلام؟.. ماذا أفعل وحدي؟".
وعلى غرار غالبية الطلاب الفلسطينيين الستة آلاف الذين يدرسون في مصر، تتابع سجا الأخبار لحظة بلحظة في غزة حيث يعيش 2,4 مليون شخص تحت حصار إسرائيلي، وفي ظل حرب مستعرة منذ 13 يوما.
قصفا أو خوفا
في كلّ مرة تسمع سجى بتعرض مستشفى أو محيطه للقصف، تخشى الأسوأ لأشقائها وشقيقاتها، وأصغرهن لا تتجاوز السادسة من عمرها الذين ينامون على الأرض في المستشفى خصوصا بعد أن قالت لها أمها "إن لم يقتلهم القصف سيموتون من الخوف".
وتلقت غيداء جابر آخر رسالة من أمها قبل أسبوع، قالت لها فيها إنها تغادر بيتهم في شمال غزة إلى الجنوب مع شقيقاتها الأربع وأشقائها الثلاثة.
وتقول الفلسطينية ذات الواحد والعشرين عاما لفرانس برس: "منذ ذلك الحين، ليست لدى أي أخبار عنهم".
ومنذ أن كانت في السادسة من عمرها، رأت غيداء جابر منزلها يهتز مرات عدة على وقع القصف الاسرائيلي خلال حروب متتالية وتوترات بين إسرائيل وفصائل فلسطينية في القطاع.
وتشكّل غيداء وغيرها كثيرون جزءا من مجموعات على تطبيق واتساب تتداول أخبار غزة، وتتابع التدوينات على إنستغرام لمعرفة "أين قصفوا أو أسماء العائلات التي استشهدت".
ومن خلال إحدى اللوائح بأسماء قتلى نشرت على "إنستغرام"، عرفت هيا شهاب (21 عاما) أن أقارب لها قتلوا.
وتقول الطالبة التي تدرس في إحدى الجامعات الخاصة في القاهرة: "في لحظة واحدة، اختفى 45 فردا من عائلتنا".
"لا أحلام"
علمت سجى سامي من خلال مقطع فيديو بمقتل بيسان، إحدى زميلاتها السابقات في المدرسة، ورأت صور جثمان زميلتها إلى جوار جثامين آخرين. وتقول "كانت بيسان لامعة وكان حلمها أن تصبح جراحة، لكن لا أحلام في غزة".
وتروي أن والدها خلال الحروب السابقة كان يرفض باستمرار أن يتركوا منزلهم رغم القصف، ويقول "ليس لنا غير بيتنا".
في 2014، تهدم منزلهم جراء غارة إسرائيلية وذهبت معه "كل ذكريات العائلة"، وتتذكّر سجا أنها ألحت على والدها أن ينتقلوا إلى حي الرمال، أحد الأحياء الراقية التي يعتقد أهل غزة أنه بمأمن من القصف، ولكنه رفض وأعاد بناء منزله.
ولم يكن مخطئا، فقد تحول حي الرمال خلال الأيام العشر الأخيرة إلى رماد.
وهذه المرة، قرّر والد سجا على الفور بعد بدء الهجوم، ترك المنزل وأغلقه جيدا بالمفتاح، غير أن المفتاح لم يعد له نفع بعد أن دمر البيت مجددا.