نحو تطبيق هدنة غزة.. حراك إماراتي لما بعد القرار الأممي
حراك دبلوماسي إماراتي لتطبيق "هدنة أممية" في غزة نجح العرب في استصدار قرار بشأنها من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتعتزم الإمارات توظيف القرار الأممي الذي يدعو إلى هدنة إنسانية فورية في غزة لإحداث حراك داخل مجلس الأمن الدولي، لتنفيذ القرار الأممي، خصوصا أنها تعد الدولة العربية الوحيدة العضو بالمجلس لعامي 2022-2023.
حراك يأتي امتدادا للدعم الإماراتي التاريخي للقضية الفلسطينية عبر الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، الذي يعد أحد ثوابت السياسة الخارجية الإماراتية منذ تأسيسها عام 1971.
قرار أممي
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء الجمعة، مشروع قرار عربيا بهدنة إنسانية فورية بأغلبية 121 صوتا.
جاء ذلك في إطار الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة للجمعية العامة التي تحمل عنوان: "الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة".
وصوتت 120 دولة من بينها الإمارات لصالح المشروع، فيما رفضته 14 دولة، وامتنعت 45 دولة عن التصويت، من بينها العراق الذي قال إنه وافق على القرار ولكن امتناعه عن التصويت جاء بسبب "خطأ تقني".
ومع إعلان العراق انضمامه للتصويت النهائي بالموافقة، يرتفع عدد الدول التي مررت مشروع القرار إلى 121 صوتا وامتناع 44 عن التصويت.
وتعتمد مشاريع القرارات في الجمعية العامة بأغلبية الثلثين.
ويطالب النص بـ"هدنة إنسانية فورية ودائمة ومتواصلة تفضي إلى وقف القتال"، فيما يتمحور مشروع القرار الذي صاغه الأردن ورعاه نحو 40 دولة من بينها الإمارات، على الوضع الإنساني في غزة.
ويطالب خصوصا بتوفير الماء والغذاء والوقود والكهرباء "فورا" و"بكميات كافية" ووصول المساعدة الإنسانية "من دون عوائق".
ويطالب القرار جميع الأطراف بالامتثال الفوري والكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، وتمكين وتسهيل الوصول الإنساني للإمدادات والخدمات الأساسية إلى جميع المدنيين المحتاجين في قطاع غزة.
ويحمل القرار عنوان: "حماية المدنيين والتمسك بالالتزامات القانونية والإنسانية"، ويرفض بشدة "أي محاولات للترحيل القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين".
كما يدعو إلى إلغاء الأمر الذي أصدرته إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين وموظفي الأمم المتحدة، فضلا عن العاملين في المجال الإنساني والطبي، بإخلاء جميع المناطق الواقعة إلى الشمال من وادي غزة والانتقال إلى جنوب القطاع.
ويدعو أيضا إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن جميع المدنيين المحتجزين بشكل غير قانوني، ويطالب بسلامتهم ورفاههم ومعاملتهم بشكل إنساني امتثالا للقانون الدولي.
ويؤكد على الحاجة إلى إنشاء آلية على وجه السرعة لضمان حماية السكان المدنيين الفلسطينيين، وآلية أخرى للإخطار الإنساني لضمان حماية مرافق الأمم المتحدة وجميع المنشآت الإنسانية، ولضمان حركة قوافل المساعدات دون عوائق.
وينطوي القرار على إدانة جميع أعمال العنف التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وتعبر الجمعية العامة في القرار عن القلق البالغ من الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة وتداعياته الهائلة على السكان المدنيين، ومعظمهم من الأطفال.
تحرك إماراتي
رغم أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزم، فإن المجموعة العربية في الأمم المتحدة، كشفت في مؤتمر صحفي عقب التصويت على القرار، عن استمرار حراكها لتنفيذه.
وفي هذا الصدد، قالت السفيرة لانا نسيبة المندوب الدائم للإمارات لدى الأمم المتحدة، التي شاركت في المؤتمر الصحفي، إن الإمارات ستقود حراكا داخل مجلس الأمن الدولي، مدعومة بهذا القرار الأممي، لكسر الجمود الذي يعتري قرارات المجلس إزاء تلك الأزمة.
وأكدت أن المجتمع الدولي أرسل رسالة بهذا القرار تدعو إلى حماية المدنيين جميعا والالتزام بالقانون الدولي الإنساني.
وشددت على أن "لهذا القرار وزنا وسلطة أخلاقية وسوف نذهب إلى مجلس الأمن الدولي بهذه السلطة الأخلاقية ونعمل على مقترحات تكسر الجمود الذي تشهده قرارات المجلس إزاء تلك الأزمة".
وجرى التصويت في الجمعية العامة بعد فشل مجلس الأمن أربع مرات في اتخاذ قرار خلال الأسبوعين الماضيين.
وأشادت السفيرة الإماراتية بالعمل العربي الجماعي الذي قاد إلى الحصول على هذا القرار وقالت: "إن تصويت 120 دولة لاعتماد هذا القرار هو رفض صريح للوضع الراهن في غزة".
وشددت على أنه "لا بد من إيصال المساعدات الإنسانية، مع وقف لإطلاق النار أو هدنة إنسانية تتيح توفير المساعدة الطبية للمصابين والجرحى".
في مجلس الأمن
منذ تجدد التصعيد بغزة، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تقود الإمارات حراكا دبلوماسيا في أروقة مجلس الأمن الدولي، سعيا نحو وضع حد للحرب وحماية المدنيين وإيجاد أفق للسلام.
ولم تمر جلسة في مجلس الأمن الدولي بشأن القضية الفلسطينية والوضع في غزة، إلا وسجلت خلالها الإمارات رسائل قوية داعمة، إضافة إلى سعيها لتحقيق التوازن بين مختلف الأطراف والعمل على دعم جهود السلام وتخفيف حدة التصعيد.
ومنذ اندلاع الحرب، عقد مجلس الأمن الدولي 5 جلسات بشأن القضية الفلسطينية والوضع في غزة: جلسة مغلقة يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول، و3 جلسات للتصويت على مشاريع قرارات في 16 و18 و25 من الشهر نفسه، ومناقشة مفتوحة جرت الثلاثاء الماضي.
وتم خلال تلك الجلسات التصويت على 4 مشاريع قرارات، اثنان قدمتهما روسيا يومي 16 و25 أكتوبر/تشرين الأول، وثالث قدمته البرازيل في 18 من الشهر نفسه، ورابع قدمته أمريكا الأربعاء الماضي.
وأيدت الإمارات مشروعي قرار روسيا والبرازيل، باعتبار أن القرارات الثلاثة تدعو إلى هدنة إنسانية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، فيما عارضت مشروع القرار الأمريكي الذي لا يدعو إلى وقف إطلاق النار.
ورغم تعثر مجلس الأمن في التوافق بشأن مشاريع تلك القرارات التي عارضتها أمريكا، إلا أن الإمارات سجلت خلال الجلسات موقفا قويا داعما للسلام والإنسانية والقضية الفلسطينية.
كما بعثت رسائل عدة للعالم تعبر عن رؤيتها لحل الأزمة وترسم من خلالها خارطة طريق لنشر السلام بشكل مستدام عبر حل القضية من جذورها بالتوصل لحل سياسي يفضي إلى قيام دولتين تعيشان جنب إلى جنب في وئام وسلام.
وعبر جميع تلك الجلسات، قدمت الإمارات مطالب عاجلة تتعلق بالأزمة الراهنة، إضافة إلى روشتة لتحقيق سلام مستدام، أبرزها وقف فوري ومستدام لإطلاق النار في غزة، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكلٍ آمن وعاجل ومستدام ودون عوائق.
وأيضا حماية جميع المدنيين واحترام قانون الإنساني (وقف القتل وإطلاق سراح جميع الرهائن)، إضافة إلى رفض التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم، احتراما للقانون الدولي الإنساني.
أيضا قدمت الإمارات روشتة لتحقيق سلام مستدام، يفضي إلى حل دولتين تعيشان معا في سلام ووئام، وتدعو إلى وقف جميع الممارسات غير الشرعية، واتخاذ تدابير لبناء الثقة بين الأطراف، واستئناف عملية مفاوضات جدية وذات مصداقية.
كما تدعو إلى الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم في القدس ومقدساتها، واحترام دور المملكة الأردنية الهاشمية في رعاية المقدسات والأوقاف في المدينة، علاوة على الدعوة إلى جعل الحوار والتعايش السلمي والتعاون مساراً لإحلال الاستقرار في المنطقة.
وعملت على تحقيق تلك الأهداف عبر تعزيز التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين من أجل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وتعزيز فرص السلام.
التزام تاريخي
يُعد دعم القضية الفلسطينية من ثوابت السياسة الخارجية للإمارات منذ تأسيسها.
وقبيل تجدد التصعيد الأخير في قطاع غزة، لا يكاد يخلو أي خطاب سياسي لدولة الإمارات في أي محفل دولي أو إقليمي أو خلال الخطابات السنوية أو من خلال لقاءات ثنائية أو أي مباحثات مشتركة، من التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية للإمارات والأمة العربية والإسلامية.
ثوابت لا تخلو من التحذير من مغبة عدم التوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية، والتأكيد على دعم مبادرات السلام العربية وحل الدولتين كأساس للسلام.
وتمكنت الإمارات في أكثر من مرة عبر حراكها المتواصل في مجلس الأمن الدولي من الانتصار للقضية الفلسطينية، ومن أبرز انتصاراتها ما حدث في 21 فبراير/شباط الماضي، عندما تمكنت من اقتناص نصر حيوي للقضية الفلسطينية من داخل مجلس الأمن الدولي باعتماده بياناً رئاسياً يعارض الإجراءات أحادية الجانب التي تعرقل عملية السلام في الأراضي الفلسطينية، ويؤكد التزامه بحل الدولتين.
وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة، بصفتها عضواً منتخباً في مجلس الأمن، قد يسّرت هذا القرار المهم بدعم من جميع أعضاء المجلس.
جهود تكللت بإصدار أول قرار من مجلس الأمن الدولي بشأن ملف الاستيطان منذ أكثر من ست سنوات، ودعوة إماراتية قوية تؤكد أهمية التزام المجتمع الدولي برؤية فلسطين مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل في سلام، ورفض أي إجراءات إسرائيلية تعوق حل الدولتين.
وسبق أن حذرت الإمارات من داخل مجلس الأمن أن أعمال العنف الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين "يُهدد بحدوث اشتباكات أكثر خطورة وحالة عارمة من الفوضى"، وشددت على "السلام العادل والشامل والدائم".
aXA6IDEzLjU5LjExMS4xODMg جزيرة ام اند امز