الإمارات ودعم غزة في مجلس الأمن.. مواقف ثابتة ورسائل تاريخية
حراك دبلوماسي إماراتي متواصل في أروقة مجلس الأمن الدولي، سعيا نحو وضع حد لحرب غزة وحماية المدنيين وإيجاد أفق للسلام.
حراك يأتي امتدادا للدعم الإماراتي التاريخي للقضية الفلسطينية عبر الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، والذي يعد أحد ثوابت السياسة الخارجية الإماراتية منذ تأسيسها عام 1971.
جهود وتصريحات إماراتية واضحة، سبق أن تكللت في فبراير/شباط الماضي، بإصدار أول قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي بشأن ملف الاستيطان منذ أكثر من ست سنوات، ودعوة إماراتية قوية تؤكد أهمية التزام المجتمع الدولي برؤية فلسطين مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل في سلام، ورفض أية إجراءات إسرائيلية تعوق حل الدولتين.
ومنذ تجدد التصعيد في غزة، يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لم تمر جلسة في مجلس الأمن الدولي بشأن القضية الفلسطينية والوضع في غزة، إلا وسجلت خلالها الإمارات رسائل قوية داعمة، إضافة إلى سعيها لتحقيق التوازن بين مختلف الأطراف والعمل على دعم جهود السلام وتخفيف حدة التصعيد.
رسائل
منذ اندلاع الحرب، عقد مجلس الأمن الدولي 5 جلسات بشأن القضية الفلسطينية والوضع في غزة: جلسة مغلقة يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول، و3 جلسات للتصويت على مشاريع قرارات في 16 و18 و25 من الشهر نفسه، ومناقشة مفتوحة جرت الثلاثاء الماضي.
وتم خلال تلك الجلسات التصويت على 4 مشاريع قرارات، اثنان قدمتهما روسيا يومي 16 و25 أكتوبر/تشرين الأول، وثالث قدمته البرازيل في 18 من الشهر نفسه، ورابع قدمته أمريكا الأربعاء الماضي.
وأيدت الإمارات مشروعي قرار روسيا والبرازيل، باعتبار أن القرارات الثلاثة تدعو إلى هدنة إنسانية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، فيما عارضت مشروع القرار الأمريكي الذي لا يدعو إلى وقف إطلاق النار.
ورغم تعثر مجلس الأمن في التوافق بشأن مشاريع تلك القرارات التي عارضتها أمريكا، إلا أن الإمارات سجلت خلال الجلسات موقفا قويا داعما للسلام والإنسانية والقضية الفلسطينية.
كما بعثت رسائل عدة للعالم تعبر عن رؤيتها لحل الأزمة وترسم من خلالها خارطة طريق لنشر السلام بشكل مستدام عبر حل القضية من جذورها بالتوصل لحل سياسي يفضي إلى قيام دولتين تعيشان جنب إلى جنب في وئام وسلام.
وعبر جميع تلك الجلسات، قدمت الإمارات مطالب عاجلة تتعلق بالأزمة الراهنة، إضافة إلى روشتة لتحقيق سلام مستدام، أبرزها وقف فوري ومستدام لإطلاق النار في غزة، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكلٍ آمن وعاجل ومستدام ودون عوائق.
وأيضا حماية جميع المدنيين واحترام قانون الإنساني (وقف القتل وإطلاق سراح جميع الرهائن)، إضافة إلى رفض التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم، احتراما للقانون الدولي الإنساني.
روشتة سلام
أيضا قدمت الإمارات روشتة لتحقيق سلام مستدام، يفضي إلى حل دولتين تعيشان معا في سلام ووئام، وتدعو إلى وقف جميع الممارسات غير الشرعية، واتخاذ تدابير لبناء الثقة بين الأطراف، واستئناف عملية مفاوضات جدية وذات مصداقية.
كما تدعو إلى الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم في القدس ومقدساتها، واحترام دور المملكة الأردنية الهاشمية في رعاية المقدسات والأوقاف في المدينة، علاوة على الدعوة إلى جعل الحوار والتعايش السلمي والتعاون مساراً لإحلال الاستقرار في المنطقة.
وعملت على تحقيق تلك الأهداف عبر تعزيز التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين من أجل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وتعزيز فرص السلام.
موقف قوي
أحدث جلسات مجلس الأمن بشأن القضية الفلسطينية والوضع في غزة، عقدت الأربعاء الماضي، وخُصصت لمناقشة مشروعي القرار الروسي والأمريكي، وسجلت خلالها الإمارات موقفا قويا داعما للقضية الفلسطينية وأهل غزة وانتصارا للإنسانية، حيث صوتت لصالح القرار الروسي وضد القرار الأمريكي.
وأكدت السفيرة لانا نسيبة، المندوبة الدائمة للإمارات بالأمم المتحدة في كلمتها خلال تلك الجلسة التي لم يتمكن فيها مجلس الأمن من الاتفاق حول مشروعي القرارين، أن تصويت دولة الإمارات جاء وفق أسس موضوعية لمشروعي القرارين المقدمين لهذا المجلس، وكيفية استجابتهما الملموسة للوضع المتردي في قطاع غزة.
وقالت :"نحن نعلم جيداً ماهية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً. وقد كانت الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية شديدة الوضوح في مسائل الوقف الفوري لإطلاق النار لدواعٍ إنسانية، وإطلاق سراح الرهائن، والوصول الآمن والدائم وعلى نطاق واسع للمساعدات الإنسانية، وإيصال الوقود للمستشفيات ولمحطات تحلية المياه، وتوفير المياه، إضافة إلى التقيد بالقانون الدولي الإنساني".
ودعت لانا نسيبة إلى "إيلاء حياة الفلسطينيين القيمة ذاتها التي يوليها لحياة الإسرائيليين، فليس لحياة المدنيين رُتب، ولا يمكننا السماح بأي لبس في هذه المسألة".
وبينت أن تلك الأمور يجب أن تشكل أولويات أي قرار يتخذه هذا المجلس، وشددت مجددا على أنه" لا يمكننا السكوت عن قضية التهجير القسري وأوامر الإخلاء، ويجب ألا يكتسي وضع غزة كأرض محتلة أي غموض".
ودعت مجلس الأمن الدولي إلى المزيد من العمل "وتكثيف جهوده" للتوصل إلى توافق في الآراء للخروج بقرار بشأن الوضع في غزة، مؤكدة أن "دولة الإمارات ماضية في القيام بذلك".
كلمة تاريخية بلسان ريم الهاشمي
جاءت تلك الجلسة غداة المناقشة المفتوحة ربع السنوية لمجلس الأمن بشأن البند المعنون بالحالة في الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية، والتي ألقت خلالها ريم الهاشمي وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي، كلمة مهمة رسمت خلالها خارطة طريق لتحقيق سلام مستدام، وإنهاء الحرب على غزة، وحماية جميع المدنيين، وحمّلت فيها كل طرف مسؤوليته التاريخية عما وصلت إليه الأوضاع الآن بما فيهم مجلس الأمن نفسه.
ودعت الهاشمي مجلس الأمن إلى اعتماد قرار بوقف إطلاق نار فوري ومستدام في غزة، كما حذرت من أن "استمرار وتصاعد وتيرة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة يؤكد أن كل تأخير في إخماد هذه الحرب يعني وقوع المزيد من الضحايا والدمار، ويهدد بتوسع رقعة الصراع في المنطقة".
وجددت التأكيد على مطلب دولة الإمارات بأنه "يجب أن تنصب التحركات الإقليمية والدولية على خفض التصعيد واستعادة الهدوء بأسرع وقت"، وطالبت حركة حماس "بالإطلاق الفوري وغير المشروط لسراح الرهائن، لحقن الدماء وتجنيب جميع المدنيين المزيد من الويلات".
وأكدت مجددا "رفض الإمارات القاطع لأوامر إسرائيل بإخلاء أكثر من مليون شخص من شمال غزة إلى جنوبها"، وقالت في هذا الصدد: "ونطالب بإلغائها، ونحذر من أي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه بشكلٍ قسري، والذي يهُدد بنكبة جديدة".
وفي كلمة للتاريخ، آثرت الوزيرة الإماراتية أن تعرض أمام العالم خلال بيان الإمارات في مجلس الأمن جذور الأزمة الحقيقية، بحثا عن حل دائم يفضي لسلام مستدام.
وقالت الهاشمي في هذا الصدد: "بينما نواصل العمل على وقف هذه الحرب، يجب ألا ننظر إليها بمعزلٍ عن الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ قرابة العقود الستة، والتصعيدات الخطيرة التي شهدناها في الآونة الأخيرة".
ولفتت إلى أن "قطاع غزة حبيسُ حصارٍ فُرض عليه منذ نحو 17 عاماً، ويرزحُ تحت وَطأة الجوع والفقر والبطالة".
وتابعت: "أما الضفة الغربية فتشهد منذ العام الماضي ارتفاعاً حاداً في عدد القتلى وهجمات المستوطنين الذين استشرى عنفُهم ضد المدنيين الفلسطينيين، بالإضافة إلى الإعلان عن إنشاء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة، واستمرار عمليات هدم الممتلكات، وتهجير الآلاف، والتلويح الخطير بخطط الضم، ناهيكم بالاعتداءات المستمرة على المدن والقرى الفلسطينية".
وقدمت دولة الإمارات في بيانها أمام مجلس الأمن الدولي وصفة لتحقيق السلام، داعية إلى العمل جدياً على التوصل إلى حل عادلٍ ودائمٍ وشاملٍ لهذا النزاع، بما يتيح لكلا الشعبين العيش في سلامٍ وأمن دائمين.
التزام تاريخي
يُعد دعم القضية الفلسطينية من ثوابت السياسة الخارجية للإمارات منذ تأسيسها مرورا بتوقيعها اتفاق سلام مع إسرائيل في 15 سبتمبر/أيلول 2020.
وقبيل تجدد التصعيد الأخير في قطاع غزة، يكاد لا يخلو أي خطاب سياسي لدولة الإمارات في أي محفل دولي أو إقليمي أو خلال خطابات الإمارات السنوية في المناقشات العامة للجمعية العلمة للأمم المتحدة، أو من خلال لقاءات ثنائية أو أية مباحثات مشتركة، من التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية للإمارات والأمة العربية والإسلامية.
ثوابت لا تخلو من التحذير من مغبة عدم التوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية، والتأكيد على دعم مبادرات السلام العربية وحل الدولتين كأساس للسلام.
وتمكنت الإمارات في أكثر من مرة عبر حراكها المتواصل في مجلس الأمن الدولي من الانتصار للقضية الفلسطينية.
ولعل أبرز تلك الانتصارات ما حدث في 21 فبراير/شباط الماضي، عندما تمكنت من اقتناص نصر حيوي للقضية الفلسطينية من داخل مجلس الأمن الدولي باعتماده بياناً رئاسياً يعارض الإجراءات أحادية الجانب التي تعرقل عملية السلام في الأراضي الفلسطينية، ويؤكد التزامه بحل الدولتين.
وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة، بصفتها عضواً منتخباً في مجلس الأمن، قد يسّرت هذا القرار المهم بدعم من جميع أعضاء المجلس.
جهود تكللت بإصدار أول قرار من مجلس الأمن الدولي بشأن ملف الاستيطان منذ أكثر من ست سنوات، ودعوة إماراتية قوية تؤكد أهمية التزام المجتمع الدولي برؤية فلسطين مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل في سلام، ورفض أي إجراءات إسرائيلية تعوق حل الدولتين.
وسبق أن حذرت الإمارات من داخل مجلس الأمن أن أعمال العنف الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين "يُهدد بحدوث اشتباكات أكثر خطورة وحالة عارمة من الفوضى"، وشددت على "السلام العادل والشامل والدائم".
ودعت دولة الإمارات في بيان سابق أمام مجلس الأمن الدولي، التي تعد عضوا به عن الفترة 2022-2023، المجتمع الدولي لأن يضع ثقله في التعامل مع المسألة الفلسطينية كملف ذي أولوية، عبر المساعدة في استئناف مفاوضات جادة وفعالة، تستند إلى المرجعيات الدولية المتفق عليها، وفي مقدمتها حل الدولتين.
مواقف قوية متتالية تؤكد من خلالها دولة الإمارات دعمها الأبدي للقضية الفلسطينية، وأن توقيعها لمعاهدة سلام مع إسرائيل في 15 سبتمبر/أيلول 2020 لم ولن يكون على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف.
أيضا تؤكد دولة الإمارات من خلال تلك المواقف أن السلام الشامل والدائم والعادل هو السبيل الوحيد لحل أزمات المنطقة.