يسدل الليل ظلمته على غزة متثاقلا، وما إن يطل الصباح حتى تصطحب الشمس معها لقطات مروعة لمبانٍ وأحلام كانت تنبض بالحياة، فباتت في عداد "كانت هنا".
مبان سكنية وأحياء بأكملها سُويت بالأرض، فحوّلت معها وجه غزة المشرق إلى لوحة اختلطت فيها ألوان الدمار والدماء، وبدت أجزاء منها كأنها صحراء قاحلة ترسمها الغارات.
وهو ما أظهرته صور الأقمار الصناعية الجديدة التي نشرتها شركة "ماكسار تكنولوجيز وبلانيت لابز"، الأمريكية المتخصصة في صور الأقمار الاصطناعية، حيث كشفت عن الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمواقع في جميع أنحاء قطاع غزة، بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل منذ السابع من الشهر الجاري.
في الصور التي تم التقاطها قبل وبعد الغارات الجوية الإسرائيلية والتي قدمتها شركة ماكسار تكنولوجيز وبلانيت لابز.
تعهدت إسرائيل بالقضاء على حركة حماس التي تحكم قطاع غزة من صيف 2007، ردا على هجمات شنتها الحركة على بلدات إسرائيلية، في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأسفرت عن مقتل 1400 شخص واحتجاز أكثر من 200 رهينة.
ومنذ ذلك الحين، تواصل إسرائيل قصف غزة من الجو، وفرضت حصارا مطبقا عليها، وتستعد لغزو بري.
وتقول وزارة الصحة، التي تديرها حماس في قطاع غزة، إن أكثر من 7000 شخص -كثير منهم مدنيون- قتلوا في القصف الإسرائيلي.
في مدينة بيت حانون، القريبة من الحدود الشمالية مع إسرائيل، تعرضت مبان مكونة من أربعة وخمسة طوابق لحالات مختلفة من الانهيار، فمنها ما سوّيَ بالأرض بالكامل، ومنها ما فقد الكثير من أركانه.
وتقع بيت حانون بالقرب من معبر "إيريز" أحد المعابر الرئيسية التي شن مقاتلو حماس من خلالها هجومهم المباغت على جنوب إسرائيل، وكانت مركزا لجزء كبير من قوة نيران جيش الدفاع الإسرائيلي.
وبعد أيام قليلة من اندلاع الحرب، أعلنت القوات الإسرائيلية أن بيت حانون تعرضت للقصف "120 مرة"، مشيرة إلى أن المنطقة "كانت بمثابة مركز لحركة حماس".
وتبدو نتائج القصف العنيف واضحة في الصور التي تظهر أحياء بأكملها تحولت إلى أرض قاحلة رمادية.
ومع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على مدار الساعة تقريبا، من شمال قطاع غزة مرورا بالوسط وصولا إلى الجنوب، لا يزال الحجم الكامل للأضرار غير معروف.
وتظهر الصور في حي الكرامة شمال مدينة غزة، أنقاض عدد من المباني السكنية.
وقالت الأمم المتحدة إن 42% من جميع الوحدات السكنية أصبحت غير صالحة للسكن في الأسابيع الثلاثة الماضية، مع تعرض آلاف أخرى لأضرار متوسطة.
وأدى الدمار إلى زيادة عدد النازحين في غزة، حيث تقدر الأمم المتحدة والهلال الأحمر الفلسطيني أن ما بين 400 ألف ومليون فلسطيني أصبحوا الآن بلا مأوى.
وفي منطقة العطاطرة في بيت لاهيا شمالي غزة، والقريبة من بيت حانون، تظهر صور الأقمار الصناعية أن الرماد والأنقاض الناجمة عن الغارات الجوية قد انتشر في أحياء بأكملها.
وحذرت الأمم المتحدة من أنه وسط كل هذا الدمار، فإن إمدادات الوقود لديها على وشك النفاد بشكل خطير، مما يهدد قدرة وكالاتها على العمل في غزة.
وإلى الجنوب الذي قالت إسرائيل إنه المكان الآمن الذي طلبت من سكان غزة وشمال النزوح إليه، تظهر مدينة الزهراء الواقعة عند وادي غزة على ساحل البحر الأبيض المتوسط والملاصقة لمخيم النصيرات.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن الصواريخ الإسرائيلية دمرت أكثر من 20 مبنى في هذه المدينة.
وقال أحد السكان الذين أصيبوا بالصدمة لوكالة الأنباء إنه غير متأكد إلى أين يذهب أو كيفية حماية أسرته بعد الضربات.
وروى رامي أبووزنة لوكالة فرانس برس “حتى في أسوأ كوابيسي، لم أكن أعتقد أن هذا ممكنا”.