غزة.. حرب «تستعر» وكابوس إنساني يتصاعد
قتال يتصاعد، ضحايا جدد على قائمة القتلى، أزمة إنسانية تتفاقم، هكذا بدا قطاع غزة، مع توسيع الجيش الإسرائيلي، عملياته في الجنوب، حيث يحتشد زهاء مليوني شخص باتوا محاصرين في بقعة تضيق مساحتها تدريجياً.
فمع قيام إسرائيل بقصف القطاع من الشمال إلى الجنوب في مرحلة موسعة من الحرب المستمرة منذ شهرين ضد حركة حماس، تصاعد القتال أمس الجمعة، مما أدى بدوره إلى ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين.
حرب تستعر
وتواصلت المواجهات الجمعة في مدينة غزة وخان يونس ودير البلح والنصيرات، بما يشمل العمليات البرية والقصف الجوي والبحري من الجيش الإسرائيلي.
ومنذ اندلاع الحرب، لم تتوقف المعارك سوى لفترة سبعة أيام تخللها تبادل رهائن ومعتقلين، والسماح بإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية الى القطاع.
وفي مساء الجمعة، أفاد سكان عن تكثيف نيران الدبابات الإسرائيلية في شمال غزة، في حين قال مسؤولو الصحة إن عشرة أشخاص على الأقل قتلوا في ضربة جوية استهدفت منزلا في خان يونس.
وأعلنت حماس أن أعنف الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية وقعت في شمال حي الشجاعية، وكذلك في الجنوب في خان يونس، حيث وصلت القوات الإسرائيلية إلى قلب ثاني أكبر مدينة في القطاع يوم الأربعاء.
وعن تلك العمليات، قال الجيش الإسرائيلي إن القتال احتدم بشكل خاص في قطاع خان يونس، واصفا إياه بـ«معقل مهم لحماس».
وقال العميد دان جولدفوس، قائد الفرقة 98 في الجيش في مقطع فيديو نشره الجيش: «تمركزنا وسط المدينة»، مؤكدا: «نواصل العمل بشكل منهجي ودقيق، والانتقال من نفق إلى نفق، ومن منزل إلى منزل، وضرب الإرهابيين بأكبر قدر ممكن من الدقة».
وقال الجيش الإسرائيلي إن 94 جنديا إسرائيليا قتلوا في الحرب في غزة منذ بدء الاجتياح البري للقطاع المكتظ بالسكان في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال البريجادير جنرال دان جولدفوس من الجيش الإسرائيلي في تسجيل مصور في خان يونس إن قواته تقاتل من منزل إلى منزل ومن «فتحة إلى فتحة»، في إشارة إلى فتحات الأنفاق. وأثناء حديثه دوى إطلاق نار في الخلفية.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأميرال دانيال هاجاري إن إسرائيل اعتقلت أكثر من 200 مشتبه به من غزة خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية، وتم نقل العشرات إلى إسرائيل لاستجوابهم.
والجمعة، أعلن الجيش الإسرائيلي إصابة جنديين «بجروح خطيرة» خلال عملية فاشلة هدفت إلى تحرير رهائن ليلا في قطاع غزة، فيما أعلنت حماس مقتل محتجز خلال العملية.
وقال الجيش في بيان له إن جنديين «أصيبا بجروح خطيرة خلال عملية لإنقاذ رهائن تحتجزهم حماس»، مضيفًا أنه «خلال العملية، قُتل العديد من الإرهابيين الذين شاركوا في خطف واحتجاز الرهائن، لكن لم يتم إنقاذ أي رهائن خلال هذا النشاط».
من جهتها، قالت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس في وقت سابق إن مقاتليها «أفشلوا محاولة إسرائيلية للوصول إلى أحد الأسرى». ونشرت مقطع فيديو يظهر ما قالت إنها جثة المحتجز.
إلى ذلك، تستمر أعمال العنف أيضاً في الضفة الغربية، حيث قتلت القوات الإسرائيلية ستة فلسطينيين خلال عملية توغل في مخيّم الفارعة للاجئين الجمعة، حسبما أفادت وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية.
ومنذ بدء الحرب، قُتل أكثر من 260 فلسطينياً بنيران الجيش الإسرائيلي أو مستوطنين في مناطق مختلفة من الضفة، على ما تفيد وزارة الصحة الفلسطينية.
أزمة إنسانية تتفاقم
وأعلنت وزارة الصحة في غزة مقتل 350 شخصا يوم الخميس وقالت أمس الجمعة إن عدد القتلى في الحرب الإسرائيلية على غزة ارتفع إلى 17487.
وشاهد صحفيون من «رويترز» في جنوب غزة قتلى وجرحى يتكدسون في مستشفى ناصر الرئيسي في خان يونس ممددين على البلاط الملطخ بالدماء، فيما لم يكن هناك مكان على الأرض أمس الجمعة لوصول مرضى جدد.
وقال يامن الذي لجأ مع عائلته إلى مدرسة في وسط غزة إنه مع استمرار القتال الآن في كل الاتجاهات، لم يعد هناك مكان للفرار، مضيفًا: «داخل المدرسة كما خارجها، نفس الشعور بالخوف من الموت القريب ونفس معاناة المجاعة».
ضغط دولي
ومع تفاقم الأزمة الإنسانية، طالب مشروع قرار قدمته الجمعة إلى منظمة الصحة العالمية 17 دولة عضو وفلسطين ذات الوضع الخاص، إسرائيل بالاحترام الكامل لالتزاماتها بحماية الطواقم الطبية والإنسانية في قطاع غزة الذي يتعرض لقصف كثيف يشنه الجيش الإسرائيلي.
ومن المقرر النظر في النص الأحد خلال جلسة خاصة للمجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية تعقد لمناقشة «الوضع الصحي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية». وقد قدمته كل من الجزائر والسعودية وبوليفيا والصين ومصر ودولة الإمارات وإندونيسيا والعراق والأردن ولبنان وماليزيا والمغرب وباكستان وفلسطين وقطر وتونس وتركيا واليمن.
وجاء في مشروع القرار أن «المجلس التنفيذي يعرب عن قلقه العميق حيال الوضع الإنساني الكارثي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، ولا سيما حيال العمليات العسكرية في قطاع غزة».
ويعبر النص عن القلق إزاء «الحصار الذي يجري فرضه ومدى الضرر الكبير الذي لحق بقطاع الصحة العامة». كما يتحدث عن المخاطر التي يمكن أن يشكلها على الصحة العامة وجود «آلاف الضحايا الذين ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض»، فضلا عن ظروف النظافة والملاجئ المكتظة.
ويطالب مشروع القرار إسرائيل، بـ«ضمان احترام وحماية جميع العاملين في المجال الطبي والعاملين في المجال الإنساني الذين يقتصر نشاطهم على الطب، ووسائل نقلهم ومعداتهم، وكذلك المستشفيات والمرافق الطبية الأخرى».
كما يطالب «إسرائيل بتسهيل المرور بلا انقطاع وبشكل منظم وحر وآمن ومن دون عوائق للعاملين في المجال الطبي والعاملين الإنسانيين».
ويدعو كذلك المجتمع الدولي إلى «تعبئة التمويل الكافي لتلبية الاحتياجات الفورية والمستقبلية لبرامج الصحة التابعة لمنظمة الصحة العالمية وإعادة بناء النظام الصحي الفلسطيني، بالتعاون الوثيق مع منظمة الصحة العالمية والمؤسسات المتخصصة» التابعة للأمم المتحدة.
ويضم المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية 34 دولة عضوا تُنتَخب لثلاث سنوات من كل إقليم من أقاليم المنظمة. وهو يؤدي دورا فائق الأهمية في تنفيذ قرارات جمعية الصحة العالمية.
كابوس إنساني
وعلى الرغم من استخدام واشنطن حق النقض (فيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، واصلت الولايات المتحدة ضغوطها على إسرائيل لبذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين الفلسطينيين خلال هجومها الشرس على مقاتلي حماس في أنحاء قطاع غزة.
وفي واشنطن قال البيت الأبيض أمس الجمعة إن إسرائيل يمكن أن تفعل المزيد لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، وأعربت الولايات المتحدة عن مشاركتها المجتمع الدولي القلق بشأن الوضع الإنساني في غزة.
وقال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض للصحفيين: «ندرك جميعا بالتأكيد أنه يمكن فعل المزيد لمحاولة تقليل الخسائر في صفوف المدنيين».
ويوم الخميس، شدد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لهجة واشنطن، قائلا إنه من الضروري أن تتخذ إسرائيل خطوات لحماية السكان المدنيين في غزة.
وفي استنكار لـ«كابوس إنساني متصاعد»، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه لا يوجد مكان آمن في غزة للمدنيين، قبل ساعات من استخدام الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار في مجلس الأمن تدعمه الغالبية العظمى من أعضائه يدعو إلى وقف إطلاق نار إنساني في غزة.
وترك التصويت واشنطن معزولة دبلوماسيا في المجلس المؤلف من 15 عضوا. وصوت 13 عضوا لصالح مشروع القرار الذي قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة، فيما امتنعت بريطانيا عن التصويت.
وقال نائب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة روبرت وود للمجلس: «نحن لا نؤيد دعوة هذا القرار إلى وقف غير مستدام لإطلاق النار لن يؤدي إلا إلى زرع بذور الحرب المقبلة».