نخيل متفحم ومصابيح ملتوية.. حرب غزة تطمس ملامح «شارع البحر»
أشجار النخيل التي كانت تزين جنباته حولتها الصواريخ إلى أجذع متفحمة، وحتى مصابيحه باتت ملتوية تتهاوى ببطء على ما تبقى من الشارع الطويل.
شارع الرشيد في غزة أو شارع البحر كما يسميه أهل القطاع لم يعد كما عهدته عدسات الكاميرات قبل الحرب، ممتدا على طول البصر، تزينه أشجار النخيل الشاهقة، وعلى جنباته تصطف المباني بانتظام.
ففي ذلك الشارع كان أهل غزة يجدون متنفسا من الأعباء الروتينية ليومياتهم، وكانت العائلات تطويه سيرا على الأقدام، للاستمتاع بغروب الشمس أو شروقها.
لكن بعد الحرب المستعرة بالقطاع منذ أكثر من شهر فقد الشارع أضواءه، وتحول إلى قطعة أسفلتية ممتدة على طول البصر لكن بلا روح، بل اقترن بذاكرة أهل غزة بواحدة من أبشع الأحداث في عصرهم الحديث.
وتمكنت وكالة فرانس برس من الاقتراب من مركز المعارك في شمال غزة في إطار زيارة نظمها الجيش الإسرائيلي، وشاهدت دمارا معمما وأشجار نخيل متفحمة ومصابيح شوارع ملتوية على امتداد أنقاض الطريق الساحلي سابقا.
والأسبوع الماضي صدم العالم وهو يتابع عبر مقاطع فيديو، صورا لأشلاء بشرية تتناثر على طول هذا الطريق، تبين لاحقا أنهم نازحون كانوا يريدون العبور نحو الجنوب، هروبا من القصف، ونزولا عند أوامر إسرائيلية تطلب التوجه جنوبا.
قطع متناثرة لأجساد مزقتها القذائف فحولتها لما يشبه اللحم المفروم، فيما فصلت رؤوس وأعضاء ألقى بها القصف بعيدا، ولم تتبق سوى تلك الحقائب التي كانوا يحملونها، تقف شاهدة على هول ما حدث.
وشارع الرشيد هو الطريق الرئيسي غربي القطاع ويقع على ساحل البحر المتوسط.
«ننتظر الموت»
تستمر معاناة سكان غزة في ظل تواصل الغارات والاجتياح البري، وباتت يومياتهم تنبض على ذات المخاوف التي تتكرر كل يوم وليلة ونفس التساؤلات: هل سيعيشون للغد؟
في غضون ذلك، تمتد أيادي السكان لتنتشل جثة طفل صغير من تحت ركام منزل تعرض للقصف، فيما تقف امرأة تبكي أمام صف من الجثث الملفوفة في أكفان بيضاء.
وفي الأثناء، يصل مصاب جديد إلى مستشفى مكتظ بالجرحى والنازحين، فيما يقف سكان في طوابير لساعات طويلة للحصول على بضعة لترات من المياه التي يشاركونها مع عشرات آخرين.
لقطات تلخص الوضع في غزة بعد مرور شهر على الهجوم العسكري الإسرائيلي المدمر على القطاع الذي تسيطر عليه حركة حماس، فيما يواجه الفلسطينيون العالقون داخل القطاع المحاصر معاناة يومية كبيرة ومتكررة تؤجج مشاعر الغضب واليأس لدى البعض منهم.
وقال أبوجهاد، مواطن متوسط العمر من خان يونس بجنوب القطاع ذي الكثافة السكانية العالية: "والله ننتظر الموت. سيكون أفضل من هذه الحياة. ننتظر الموت في كل لحظة. إنه موت معلق".
وكان يقف في شارع قريب من منزل سوّي بالأرض في غارة جوية هزت الحي في منتصف الليل.
وعبر أبوجهاد، في حديثه لوكالة فرانس برس، عن غضبه من إسرائيل والعالم الذي اتهمه بالصمت والعجز "نريد حلا فهذه ليست حياة.. إما أن تقتلونا جميعا وإما أن تتركونا نعيش".
والهدف العسكري الإسرائيلي المعلن هو القضاء على حماس التي اقتحم عناصرها سياج غزة الحدودي واجتاحوا بلدات إسرائيلية قريبة منه في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما أدى لمقتل أكثر من 1400 شخص وخطف 240 آخرين والعودة بهم إلى القطاع.
وتقول السلطات الصحية في القطاع الساحلي إن الهجوم الجوي والبحري والبري الإسرائيلي اللاحق على حماس أدى منذ ذلك الحين إلى مقتل نحو 11 ألف فلسطيني، بينهم أكثر من 4 آلاف طفل.
aXA6IDMuMTM1LjE4OS4yNSA= جزيرة ام اند امز