لا نكشف سراً إن قلنا إن حرب غزة المستعرة منذ أكثر من شهر بين إسرائيل وحركة حماس شكلت فرصة سانحة لبعض الجهات الرسمية وغير الرسمية في الإقليم التي تناصب دول الخليج العربي العداء
من أجل إطلاق حملات دعائية تشويهية عنيفة ضدها على مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فقد نالت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية نصيباً وافراً من هذه الحملات الموجهة التي استغلت عذابات الشعب الفلسطيني وغضب الشعوب العربية والإسلامية وحتى الأجنبية مما يحدث في قطاع غزة، ووُجهت السهام شطر دول الخليج محاولة النيل منها، تارة بحجة الاتفاقات الإبراهيمية المعقودة بين عدد منها وإسرائيل، وتارة بذريعة التطبيع الذي كان يلوح في أفق الإقليم.
كانت هذه ذرائع أرادوا من خلالها التصويب على دول خليجية رئيسية مثلت وتمثل محور النجاح ليس العربي وحده، وإنما الإقليمي والعالمي أيضاً، أرادوا التصويب على محور العقل، والعقلنة، والاعتدال، والتسامح، والتنمية، والطموح إلى التقدم نحو المشاركة في صنع المستقبل على مستوى العالم بأسره، فلا عجب أن تكون دولتان رائدتان مثل الإمارات والسعودية محط أنظار العالم على أكثر من صعيد جيوسياسي، اقتصادي، إنمائي وحداثوي.
فمن يراقب التطور الهائل في دول مجلس التعاون الخليجي لا يفاجأ بأن يستنفر محور الماضي والفشل والموت والأساطير كل أدواته الطاردة لحب الحياة والمستقبل، مستغلاً حرب غزة وأهوالها لاستكمال حروبه ضد أهل النجاح والمستقبل.
إن دول محور النجاح والمستقبل لا تقامر بمصير شعوبها، وفي الوقت عينه لا تتخلى عن أهل فلسطين وغزة، إنها تقف خلفهم لتدفع بهم نحو أفق مفتوح بدل الأفق المسدود الذي تعاقد على الاستثمار فيه المتطرفون من الجانبين.
يزعم أهل محور الفشل والموت والماضي أنهم مقاومون، لكننا عندما بحثنا عنهم في ساحات القتال التي يتغنون بها لم نجد لهم أثراً ولا فعلاً يُعتد بهما، وعندما لاحت في أفق شرق المتوسط حاملات الطائرات والمدمرات واقتربت المقاتلات والقاذفات من كل الصنوف رأيناهم يسحبون وعودهم بمحو العدو في أقل من سبع دقائق، ليرفعوا شعاراً يقول إنهم لن يربحوا الصراع بالضربة القاضية وإنما بالنقاط!
هؤلاء هم الذين دمروا دولاً عربية بحالها، وقامروا بشعوب رموا بها في حروب مدمرة في الماضي والحاضر، بحثنا عن دور لهم غير إطلاق الشعارات الكبيرة فلم نجد لهم أثراً لا في ساحات القتال ولا في ساحات الإغاثة والمساعدة، لم نجد لهم أي أثر عندما حان وقت مساعدة أهلنا في غزة، ولا عندما صار لزاماً عليهم إغاثة المنكوبين الذين ألقوا بهم في هذه الحرب، حرب دموية مدمرة سيأتي يوم وتُكشف أسرارها الدفينة، لنعرف هذه الجهات التي ألقت بمليونين ونيف من أبناء غزة في الهشيم.
صحيح أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وسياسات الحكومات الإسرائيلية الأخيرة أسهمت في تأجيج النار، وفي سد آفاق الحل السياسي، لكن الصحيح أيضاً أن التقاطع الموضوعي بين المتطرفين على ضفتي الصراع أسهم في تغذية سياسات المغامرات والحسابات الخاطئة، من هنا لا نستغرب أن تكون الحكومات الإسرائيلية المتطرفة عملت سنوات طويلة على تسهيل تمويل الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة، مما أدى إلى تدمير مسار حل الدولتين الذي يجمع عليه العالم.
يمكن القول إنه مع نهاية الحرب سيكون الخاسر الأكبر في هذه الفاجعة التي تعيشها غزة هم أهلها، الذين لم يجدوا أنفاق الفصائل لتقيهم القذائف والصواريخ، لم يجدوا أمامهم سوى ساعة فتحت طريقاً للرحيل أفواجاً نحو جنوب القطاع، هناك ربما سيكونون على موعد مع اليد العربية الأصيلة الممدودة على غرار "الفارس الشهم"، المُقلة في الأقوال والمُكثرة في الأفعال!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة