بـ«حزب الرجل الواحد».. جيرت فيلدرز يهيمن على هولندا

منذ تأسيسه قبل نحو عقدين، صمم السياسي الهولندي جيرت فيلدرز حزبه "من أجل الحرية" ليكون "حزب الرجل الواحد".
ويهيمن جيرت فيلدرز من أقصى اليمين، على المشهد السياسي في هولندا برسالته المعادية للهجرة في ظل براعته في استخدام وسائل الإعلام وقدرته عى إثارة الشغب.
وفي عام 2006، أسس فيلدرز حزبه "من أجل الحرية" رسميًا بعضوين فقط، الأول هو نفسه بعد انفصاله عن حزبه السابق من يمين الوسط في خلاف علني مؤلم، والثاني هو مؤسسة قانونية تحمل اسمه، وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
وأشارت المجلة إلى قرار هذين "العضوين" إغلاق باب العضوية نهائيًا، لتظل السيطرة المطلقة في يد مؤسسه الوحيد الذي قرر منذ البداية أن يكون الحزب انعكاسًا تامًا لشخصه وأفكاره، وليس مؤسسة ديمقراطية لها قواعد داخلية أو أعضاء.
ومنذ ذلك الوقت، لم يتغير شيء في الهيكل الداخلي للحزب؛ الذي يعد أصغر حزب في أوروبا، فلا مؤتمرات حزبية، ولا انتخابات داخلية، ولا شباب حزبي، ولا حتى مشاركة حقيقية لأعضاء البرلمان المنتمين إليه فكل من يمثل الحزب في البرلمانين الهولندي والأوروبي يتم اختياره شخصيًا من فيلدرز، ويعمل تحت رقابة صارمة أقرب إلى الولاء الشخصي منه إلى العمل السياسي المؤسسي.
ورغم هذا النهج، يواصل الحزب تحقيق نجاحات انتخابية متكررة ومع اقتراب الانتخابات المقررة في أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تشير استطلاعات الرأي إلى أن "من أجل الحرية" هو القوة السياسية الأكثر شعبية في البلاد حيث يتجه للفوز بنسبة 21% من الأصوات وذلك بعدما تصدّر نتائج انتخابات 2023 وأسقط لاحقًا الحكومة التي ساهم في تشكيلها.
هذه المفارقة جعلت مراقبين يرون أن الحزب يجسّد أزمة الديمقراطية الهولندية، ففي حين تعاقبه النخب السياسية لعنف خطابه، يكافئه الناخبون الغاضبون من النظام التقليدي.
وتفسر حياة فيلدرز الكثير بشأن نهجه فقد نشأ وهو الأصغر بين أربعة أطفال، على يد أم من أصول إندونيسية في مقاطعة ليمبورغ الجنوبية المهمشة، وهي بيئة هيأته لدوره الغريب.
وبحسب روايته، كانت اللحظة المحورية في حياته عندما كان في السابعة عشرة من عمره، خلال إقامته لمدة عام في مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة حيث تعلم هناك مبدأ راسخًا "من يريد الفوز، لا يمكنه اللعب بلطف" وهي العبارة التي صارت شعارًا غير معلن لنهجه السياسي.
لاحقًا، عندما كان نائبًا في حزب الشعب الليبرالي اشتهر بخطاباته العدوانية ضد الإسلام والهجرة، حتى انفصل عن الحزب عام 2004 بعد خلافات حادة حول انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
وبعد شهرين، قُتل المخرج الهولندي ثيو فان جوخ بالرصاص في ثاني عملية اغتيال سياسي لناقد بارز للإسلام في أقل من ثلاث سنوات بعد اغتيال السياسي اليميني المتطرف بيم فورتوين مما شكل منعطفا مفصليًا في حياة فيلدرز الذي أصبح يعيش تحت حماية أمنية دائمة، متنقلًا بين بيوت آمنة، ويعمل في مكتب معزول بنوافذ معتمة داخل البرلمان.
ومنذ ذلك الحين، اتخذ صورة السياسي المحاصر، الذي يقدم نفسه بوصفه هدفًا لـ"النظام" والإسلامويين، وهو ما عزّز شعبيته بين قطاعات تخشى فقدان الهوية الهولندية.
لكن ذهنية "الحصار" هذه تسربت أيضًا إلى حزبه فنوّابه يخضعون لمراقبة دقيقة، وتُمنع عنهم العلاقات مع الإعلام أو مع أحزاب أخرى.
وقال أحد المنشقين إن "الحزب ليس حرية بل سجن ناعم"، إذ قد يؤدي مجرد إعادة تغريدة مخالفة إلى الإقصاء من قوائم الانتخابات في حين يؤكد آخرون أن من ينتقد الزعيم يُستبعد فورًا ويُعامل كخائن.
وأرجع بعض المراقبين نجاح هذا التنظيم الحديدي إلى رغبة فيلدرز في تجنّب مصير حزب فورتاين الذي انهار بسبب صراعاته الداخلية.
لكن التكلفة كانت باهظة فقد حرم الحزب نفسه من التمويل القائم على العضوية، وأصبح يعتمد على تبرعات خارجية، منها دعم من جماعات يمينية أمريكية معادية للإسلام.
كما أن انعدام آليات التجديد جعله عاجزًا عن استقطاب الكفاءات، مما أدى إلى فضائح متكررة بين نوابه تتعلق بالفساد والسلوك غير الأخلاقي.
وبعد انتخابات 2023 التاريخية التي فاز فيها بـ37 مقعدًا، دخل الحزب للمرة الأولى في تحالف حكومي يميني متشدد، ورغم أن فيلدرز لم يتولَّ رئاسة الوزراء رسميًا، فقد كان صاحب القرار الفعلي، واختار بنفسه رئيس الحكومة الجديد، الرئيس السابق لجهاز المخابرات ديك سخووف.
غير أن التجربة لم تدم طويلًا فبعد 11 شهرًا فقط، انسحب فيلدرز فجأة من الحكومة، مبررًا قراره بخلاف حول تشديد سياسة اللجوء وهو ما وصفه شركاؤه في الائتلاف بـ"العمل الانتحاري المتهور"، لكن أنصاره رأوه دليلاً على "الوفاء بالوعود الانتخابية".
ومع اقتراب الانتخابات الجديدة الشهر الجاري، يواصل فيلدرز حملته بخطاب أكثر تطرفًا يقوم على إغلاق الحدود وترحيل اللاجئين السوريين وإنهاء التعليم الإسلامي، ومواجهة ما يسميه "دعاية الجندر والمناخ".
ورغم أن الحكومة السابقة التي دعمها كانت من الأقل إنتاجًا في تاريخ هولندا، فإن شعبيته لم تتراجع، إذ نجح في إقناع مؤيديه بأن "المؤسسة" هي التي عرقلت إصلاحاته.
ويرى محللون أن ظاهرة فيلدرز تتجاوز حدود هولندا، إذ نسج تحالفات متزايدة مع زعماء قوميين مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان ليقدم نفسه كجزء من "نهضة وطنية" عالمية ضد النخب الليبرالية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODYg جزيرة ام اند امز