مرت ذكرى يوم مولدي خلال الشهر الجاري.. وبعد الفرح بكعكة الاحتفال حلّ الشجن من التقدم في العمر، الذي هو مجرد رقم لا يوقف الإنسان عن فعل شيء.. لكن لكل رقم دلالة كما تقول الرياضيات.
أن تكون من مواليد منتصف التسعينيات وحتى منتصف العقد الأول بعد عام 2000، فأنت من الجيل "زد".. فماذا يعني ذلك؟
يعني أنك عاصرت دخول الألفية الجديدة واحتفالاتها حول العالم، وانتشار القنوات الفضائية العربية وأحداث 11 سبتمبر وما تلاها من تداعيات سياسية على بلاد منطقتنا، وويندوز 98 والإنترنت، والعديد مما شكّل المخيلة الجمعية.
لم نعرف كيف كانت الحياة دون إنترنت أو الاستهلاك الكبير للمعلومات.. ولا كيف كان ينتظر الناس الرسائل بالأيام، أو تذهب إلى المكتبة من أجل تأكيد معلومة بسيطة.. حياة بلا جوجل أو فيسبوك أو واتساب.
هل نحن متشابهون في كل مكان باختلاف الجنسيات؟
علماء الأنثروبولوجيا يقولون: نعم، كما أنهم يؤكدون أننا نعمل من أجل الحاجة المادية في المقام الأول ثم يليها تحقيق الذات.
يتمتع الجيل "زد" بقابلية عالية للتغيير والتأقلم، ولا ينضوي تحت الأفكار الجمعية الكبرى أو الأيديولوجيات، ومن هنا نبَعت استقلاليته.
أمهاتنا وآباؤنا في الأغلب من الجيل "إكس"، فقد تربَّوا فيما يطلق عليه الأمريكيون "فترة الصحوة الاجتماعية"، هم مواليد من منتصف الستينيات حتى منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
إنهم الأكثر تفاعلا مع الأحداث الجارية، ومحبون للتعليق على السياسة العالمية، جيل مشاهدة التليفزيون وألعاب الفيديو وحب الترفيه، لذلك فقد تعلقوا بوسائل التواصل الاجتماعي بمجرد التعرف عليها.
ارتباط الآباء والأمهات بالفيسبوك وتويتر وانستجرام لم يكن مريحا بالنسبة لجيلنا، فهم يرونه تعبيرا عن الذات الحقيقية "ما تسبب في مواقف بعضها محرج أو مضحك"، لا يدركون كيف تعبر عن شخصية واقعية في فضاء تواصلي افتراضي.
على سبيل المثال، يترفع الجيل "إكس" عن مشاركة العمل على السوشيال ميديا، بينما قد يفشي أسرار طفولة أبنائه لمجرد الضحك معهم بين أصدقائهم.. أو يخاطبهم بلهجة جدية تحمل تقديرا مبالغا فيه لإنجازاتهم الصغيرة، ما يثير الضحك أيضا!
مشاركة العمل على السوشيال ميديا من سمات الجيل "زد"، والتي لم يتقنها بعد الجيل "إكس".. حتى وإن كان يعمل في بيع منتج التسويق له عبر صفحاته الشخصية سيزيد من دخله، لن يفعلها فرد الجيل "إكس" إلا بعد أن يلح عليه أحدهم من الجيل "زد" وبشدة.
وقد بات من اليقين الآن أن عدم مشاركة الأعمال والمنجزات عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعد "خيانة" للمؤسسة أو الكيان، الذي تعمل به، من قبيل التعلل بأن تلك الحسابات مساحات شخصية خاصة فقط، لكنها في الحقيقة "حجج فارغة" من الانتماء ومحبة ما تعمل.
يخبرنا كتاب "الجيل إكس: حكايات من أجل ثقافة متسارعة" لمؤلفه دوجلاس كوبلاند، الصادر عام 1991، أن هذا الجيل هو مَن أوصلنا إلى ما نحن فيه من أنماط حياة مختلفة، صحيح أننا من طوّرنا أسلوب حياتنا الحالية، إلا أن إنكار فضل الآباء عقوق صريح.
من هنا، لا يستدعي توقير الأجيال السابقة انتهاج طريقتهم في التعامل مع ثقافة مواقع التواصل الاجتماعي، بل يمكن اتباع رؤية المفكر الراحل زكي نجيب محمود في كتابه "ثقافتنا في مواجهة العصر" حين قال: "أما وقد أصبح الأمر موكولا لتقنيات تعمل بالأزرار تضغطها أصبع شاب أو كهل على حد سواء، فقد زال المبرر الذي يحتم على الجيل الأصغر أن يصغي بالتوقير والإذعان إلى أبناء الجيل الأكبر".
ما قاله زكي نجيب محمود في ثمانينيات القرن الماضي كان استشرافا لما نعايشه مع وسائل التواصل الاجتماعي، وشجون تتجدد مع كل جيل ينظر إلى من سبقه ويتطلع لمن يلحقه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة