بكاميرا سرية.. قناة ألمانية ترصد معاناة عمال مونديال قطر
قناة "في دي آر" الألمانية، أعدت تقريراً سرياً عن حياة العمال المشاركين في تشييد المنشآت القطرية، استعداداً لكأس العالم.
بين السجن الكبير، والملاجئ القذرة، والأجور المتدنية، والحرارة المرتفعة، وسوء التغذية"، تحولت حياة مئات الآلاف من العمال المنحدرين من دولة نيبال، الذين يعملون في بناء منشآت كأس العام ٢٠٢٢ في قطر، إلى جحيم يومي لا تهدأ نيرانه.
- في عيد العمال.. عريضة دولية لسحب كأس العالم من قطر
- "العدالة لضحايا كأس العالم في قطر".. حملة دولية لسحب مونديال الدوحة
قناة "في دي آر" الألمانية، أعدت تقريراً سرياً عن حياة العمال المشاركين في تشييد المنشآت القطرية، استعداداً لكأس العالم، يحمل اتهامات كارثية لحكومة الدوحة.
في بداية تقريرها، تساءلت القناة: "هل تحسنت ظروف العمل في منشآت كأس العالم في قطر كما وعدت حكومة الدوحة في السابق؟".. قبل أن تجيب: "قمنا بتحقيق سري ورصدنا حياة العمال اليائسين المحاصرين في ملاجئ قذرة وسط حرارة مرتفعة، دون أي أمل".
ويعمل أكثر من مليوني عامل أجنبي في قطر، ووعدت الدوحة مرارا وتكرارا باتخاذ إجراءات لمكافحة استغلالهم على أراضيها، لكنها لم تلتزم بتلك الوعود، بحسب التقرير.
وفي سوق العطية الذي يقع على بعد٢٠ دقيقة من وسط الدوحة، ويتجمع فيه مئات العمال من نيبال وبنجلادش والهند، استخدم صحفيو القناة كاميرات سرية حتى لا يلفتوا الانتباه، حيث استمعوا لشكاوى متكررة من العمال عن تدني الأجور، وأماكن إقامة بائسة، ومصادرة لجوزات سفرهم لمنعهم من مغادرة البلاد.
وتحدثت القناة مع عاملين من نيبال، كانا يائسين لدرجة أنهما لم يتخوفا من ذكر أسمائهما الحقيقية، والحديث عن معاناتهما بشكل علني. ونقلت عن أحدهما ويدعى ديل براساد، قوله: "لا نستطيع العودة لبلادنا.. نحن سجناء هنا ورئيسنا في العمل صادر جوازات سفرنا".
وتابع: "نحن ١٢٥ عاملا من نيبال عالقون هنا، لا نستطيع حتى الحديث مع عائلاتنا في وطننا، ولم نتقاض رواتبنا"، مضيفًا: "منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يقول رئيسنا إننا سنصرف رواتبنا قريبا، ويطالبنا بالصبر، لكن ذلك لا يحدث.. أنا أريد العودة للوطن".
ومنذ ٢٠١٤، تتعهد الحكومة القطرية بتحسين ظروف العمل في البلاد، وزعمت أنها اتخذت إجراءات عدة في هذا الإطار منها إلغاء نظام الكفالة، وفرض غرامة ٥٠ ألف ريال (١٢ ألف يورو) على صاحب العمل الذي يصادر جوازات سفر العمال، وتدشين نظام دفع إلكتروني لتحويل الرواتب للعمال بشكل شهري، وتحديد حد أدنى للأجور بلغ ٧٥٠ ريال (١٥٠ يورو).
لكن هذه الإجراءات لم تحدث أثرا، وواصلت منظمة العفو الدولية غير الحكومية، نشر تقارير آخرها كان في فبراير/شباط الماضي عن انتهاكات خطيرة وظروف عمل سيئة في مواقع بناء منشآت كأس العالم ٢٠٢٢.
وطلب صحفيو القناة من العاملين المنحدرين من نيبال "ديل وعدي جورونج"، اصطحابهما إلى مقر إقامتهما، رغم تحذيرات العاملين من دوريات الشرطة التي تراقب المقر باستمرار، وخطورة إجراء مقابلات هناك.
وبالفعل، انتقل صحفيو القناة إلى مقر إقامة العاملين، وهو معسكر ضخم لـ٢٠٠ فرد، فيما تقبع المراحيض خارجه في درجة حرارة تتخطى ٤٠ درجة، وتنبعث منها روائح لا تطاق، وتتنشر فيه أسرة مكسورة وأكوام من النفايات.
وفي الطريق إلى الطابق الأول حيث تقبع غرفة العامل "ديل"، كانت الجدران قذرة ومقززة، وتنتشر عليها الصراصير الميتة، التي يحاصرها الظلام، اتضح أنها مخصصة لـ٨ عمال، سيطر الخوف عليهم من "الجواسيس" الذين ينقلون ما يدور في الغرفة إلى مدير المعسكر.
ولكن بعد أن اطمئنوا للصحفيين، بدأوا في الحديث عن نفس المشاكل "لا جوازات سفر ولا رواتب"، مشيرة إلى أنهم لم يتلقوا رواتبهم منذ شهور، ولا يستطيعون إرسال أي أموال لعائلاتهم، ولم تقدم لهم محكمة العمل القطرية أي دعم.
وحاولت القناة التواصل مع الشركات المشاركة في تشييد منشآت كأس العالم والحكومة القطرية، لكن لم تتلق ردا منها.
وتواصلت القناة أيضا مع الاتحاد الدولي لكرة القدم، الذي سيجني أرباحا بالمليارات من كأس العالم، فجاء رده مختصرا كالتالي: "الاتهامات التي تتحدثون عنها خطيرة للغاية.. سنقوم بالتحقيق فيها بالاشتراك مع اللجنة المنظمة للبطولة في قطر".
ونقلت القناة عن عدي جورونج، العامل النيبالي قوله: "أحيانا أسأل نفسي: هل سيكون حالنا أفضل إن كنا أمواتا؟.. نريد حمايتنا من هذه الظروف، كذلك حماية عائلاتنا.. زوجتي وأطفالي يعانون ظروفا قاسية لأني لا أستطيع إرسال الأموال لهم.. لابد أن يقدم أحد يد المساعدة لنا".
وانتقل صحفيو القناة إلى مدينة كاتمندو، مقر إقامة أسرة ديل براساد، في نيبال التي تعد واحدة من أفقر دول العالم وتعتمد الأسر فيها على تحويلات العمال بشكل كامل.
وعلى بعد ٥٠٠ كيلو متر من كاتمندو، وبالتحديد في منطقة الحدود مع الهند، تعيش أسرة عدي جورونج، واضطرت زوجته "مقطه" إلى استدانة ما يعادل ٢٧٠٠ يورو، خلال الأشهر السبع الأخيرة لتغطية نفقات الأسرة، بعد انقطاع تحويلات زوجها من قطر.
وقالت الزوجة للقناة: "لا أستطيع وصف الظروف السيئة التي نمر بها.. أحاول البقاء قوية من أجل أطفالي".
ووفق القناة، لقى ١١١ عاملا نيباليا حتفهم في منشآت كأس العالم في قطر، خلال العام الجاري، ما يعني أن أعداد الوفيات لا تزال مرتفعة بشكل مرعب ولا يوجد أي تحسن في إجراءات السلامة في مناطق العمل.
ونقلت القناة عن بيانات الحكومة النيبالية أن ١٤٢٦ عاملا نيباليا لقوا حتفهم في قطر، خلال السنوات العشر الماضية، بينهم ٥٢٢ حالة وفاة بأزمات قلبية مفاجئة.
لكن الحكومة قالت إنها لا تستطيع تحديد عدد الوفيات جراء الأعمال الاستعدادية لكأس العالم فقط في السنوات العشر الماضية.
كما اختتمت القناة تحقيقها بلقاء عاملين في نيبال سبق لهما العمل في قطر لمدة ٥ سنوات، هما أنيل كانو، وناجيندار ياداف، اللذان شاركا في أعمال شركة "تواصل" القطرية لتشييد ملاعب كأس العالم.
وقال العاملان: "لم نتلق رواتبنا لشهور، وكنا نخشى على سلامتنا خاصة في المناطق المرتفعة.. توفى عاملون في الموقع أمام أعيننا، وعندما رفضنا مواصلة العمل احتجاجا، أجبرنا رؤساؤنا على العمل، كما تعرض ٧ عمال للضرب في مقر الشركة".
ورغم رفض شركة "تواصل" الرد على استفسارات القناة، أقر فيفا في رد مكتوب لـ"في دي آر" بأنه "على علم منذ ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٨، بأن الشركة انتهكت حقوق العمال في موقع بناء ملعب البيت".