ألمانيا تكافح الاحترار عبر المستنقعات.. "كنز ثمين" في القصب المائي
وسط حقول مترامية في شمال ألمانيا يمتدّ مرج شاسع من القصب المائي فوق مستنقع هو الأكبر بين مستنقعات أوروبا المستصلحة.
وقد رصدت وكالة فرانس برس، عالمة الأحياء ميلينه بريندل، وهي مرتدية جزمة عالية وتتجول في المياه الراكدة مستعينة بجهازها لتحديد المواقع، فتتنقل بين أعناق القصب المنتصبة على ارتفاع مترين لتفقّد الموقع الذي كان يمتدّ فيه حقل قبل أربع سنوات.
وتزرع العالمة البالغة 28 عاما أوتادا وتدون بدقة مستويات المياه في مختلف النقاط، بين "متدنّ" و"متوسط" و"عال".
وتم تجفيف المستنقع الممتد على مساحة عشرة هكتارات قرب مدينة مالسين الصغيرة على مرّ القرون لاستخراج الفحم النباتي المعروف بالخثّ أو زرع الحبوب أو تربية المواشي، على غرار ما حصل لـ98% من مستنقعات ألمانيا، بحسب بيانات مركز الأبحاث المتخصص "غرايفسفالد مور".
وتلعب المستنقعات دورًا فاعلافي ضبط المناخ، إذ تحتبس الكربون المحتجز في الخثّ، تلك المادة العضوية الميتة التي تتراكم تحت الأرض، فتمنع مياهها انبعاث الغاز الملوِّث في الجوّ.
وأوضحت العالمة أن "المستنقعات تمثل 3% من مساحة الأرض وتحتوي على ضعفي ما تحتويه مجمل الغابات من ثاني أكسيد الكربون، وهي تؤدي وظيفة آبار كربون هائلة".
- التغير المناخي يبعثر قمح تونس.. المحصول يهوي 60%
- الحصة العادلة لمكافحة تغير المناخ.. التزام 7 دول وتخلف 16
مواقع لتلوث هائل
حين يتمّ تجفيف المستنقعات، تبعث الأرض عند ملامسة الأكسجين الكربون الذي كان محتبسا في جوفها، فتتحوّل إلى مواقع مسبّبة لتلوّث هائل.
وقالت ميلينه بريندل: "المستنقعات (السابقة) في المنطقة تبعث بهذه الطريقة كميات من ثاني أكسيد الكربون تبلغ ضعف مجمل ما تبعثه وسائل النقل".
وبحسب مركز غرايفسفالد مور، فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من هكتار من المستنقعات المجففة يساوي ما تبعثه سيارة تسير مسافة 145 ألف كيلومتر.
وحفرت في مالسين قنوات للمياه على طول المساحة المستصلحة وزرعت بذور قصب مائي، وبات المستنقع اليوم موطنا لضفادع وطيور وأسماك وعناكب وحشرات.
ويتم قطع القصب المائي كل شتاء وتستخدم أعناقه المتينة جدا في المساكن كمادة عازلة للحرارة.
وقالت ميلينه بريندل إن "زراعة المستنقعات هي استخدامها"، موضحة "يمكن بناء أسطح بالقصب، وعزل منازل بالخثّ"، مبدية أسفها لبقاء هذه الحلول حتى الآن في المرحلة الاختبارية.
استصلاح المستنقعات.. أولوية ألمانية نحو الحياد الكربوني بحلول 2045
أطلقت الحكومة الألمانية التي حددت لنفسها هدفا بتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2045، العام الماضي، خطة عمل يبلغ تمويلها 4 مليارات يورو، من أجل "تحسين الوضع العام للأنظمة البيئية في البلد" بحلول 2026، وأدرج في هذا السياق استصلاح المستنقعات في طليعة الأولويات.
من جانبه، أقر البرلمان الأوروبي مؤخرا قانونا يشجع بلدان الاتحاد على العمل بهذا الاتجاه. غير أن هذه المهمة ليست سهلة، إذ يتحتم إقناع المزارعين.
وفي ألمانيا، تمثل المستنقعات التي تم تجفيف غالبيتها العظمى، 5% من مساحة البلد الإجمالية.
وقالت بريندل إن المطلوب ليس "فرض استصلاح الحقول على المزارعين"، وإنما جعلهم يدركون أن "هذا مهم للمناخ" وأن "بإمكانهم أن يعتاشوا" من زراعة المستنقعات.
غير أن هذا المشروع يواجه الكثير من العقبات بحسب العالمة، إذ أن هذا النوع من الزراعة لم يحظ بالاعتراف بعد، وبالتالي لا يحصل الذين يمارسونه على المساعدات المخصصة للزراعة العضوية.
واختار لورنتس كراتزر من بافاريا قبل عشرين عاما حلا وسطيا هو تربية المواشي على نطاق واسع على المستنقعات الضحلة في فرايسينغ في جنوب ألمانيا.
وهو يستخدم أراضيه المكسوة بالمستنقعات للرعي، فتحتمي فيها حوالى عشرين بقرة في ظل الأشجار والشجيرات.
يقول المزارع، البالغ 64 عاما، إنه مع جفاف الأراضي تحت تأثير التغير المناخي "أمر ممتاز... أن نعيد المستنقعات إلى طبيعتها، أن نغمرها بالمياه من جديد".
ويضيف "إنشاء مراع جزء من هذه العملية، نرى جيدا أن العشب ينبت بصورة أفضل".
ويبيع المزارع إنتاجه من اللحوم العضوية ضمن دائرة زبائنه بدون المرور عبر المتاجر، وهو يثبت في نهاية المطاف أنه من الممكن الجمع بين الزراعة وحماية المستنقعات.
وفي مالسين، يمتد أمام المستنقع المستصلح حقل يرعى فيه قطيع من الأبقار على أرض جافة تتخللها قنوات صغيرة.
تقول بريندل "لا يمكن رؤية ذلك، لكن كمية من الكربون تنبعث من الأرض"، متمنية "عالما مثاليا لا يعود أي مستنقع فيه يُجفّف".