لعبة "عض الأصابع".. من يسيطر على سياسة خارجية ألمانيا؟
تهدف "استراتيجية الأمن القومي" الجديدة بألمانيا إلى مساعدة حكومة برلين على تبني سياسة خارجية موحدة، لكن هناك خلافات حول بنودها.
لكنّ هناك شدا وجذبا بين المستشار أولاف شولتز ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك حول بنود استراتيجية الأمن القومي، فضلا عن رغبة وزير المالية كريستيان ليندنر في المشاركة في وضع الاستراتيجية، وفقا لمجلة "دير شبيغل" الألمانية.
وعندما أعلنت وزيرة الخارجية أنالينا بربوك عن "استراتيجية الأمن القومي" لأول مرة في مارس/آذار الماضي، اعترفت بوجود ثغرات معرفية في الفكرة.
بل أن بيربوك نفسها أقرت بهذه الثغرات، وقالت بوضوح إن وزارة الخارجية "لا يمكنها أن تحدد بالضبط المشاريع التي تمولها وزارات أخرى في الخارج".
وتابعت أن غياب المعلومات "ليس من قبيل الصدفة"، لكنه يظهر أن الحكومة الفيدرالية بحاجة إلى تنسيق تعاونها في الخارج بشكل أفضل.
وقبل عام، كان أحد الوعود الرئيسية لحكومة شولتز وقت تنصيبها، هو توحيد السياسة الخارجية الألمانية؛ أي أن تصنع وتنفذ السياسات الخارجية بشكل موحد ومنسق مركزيا، وتودع البلاد اللامركزية الحالية.
ومن تسليم الدبابات والأسلحة لأوكرانيا والاستثمار في الصين، إلى إدارة ملف التواجد العسكري في مالي، تتنوع الملفات الخارجية للحكومة الألمانية بشكل كبير، لكن الحكومة تفتقر إلى البوصلة التي ترشد هذه التحركات. وفق مجلة "دير شبيغل".
وتهدف "استراتيجية الأمن القومي" إلى أن تكون هذه البوصلة: فهي ترمي إلى توجيه الحكومة الفيدرالية في التعامل مع الحلفاء والمساعدة في تدشين سياسة خارجية منسقة. لكن العمل على هذه الاستراتيجية أدى لانقسام شركاء الائتلاف الحاكم بشكل كبير.
ونقلت عن مصادر رفيعة أن كبار المسؤولين في المستشارية ووزارة المالية أوقفوا مشروع استراتيجية الأمن القومي التي تشرف عليها وزيرة الخارجية، بشكل مفاجئ، في 19 ديسمبر/كانون أول الماضي.
وفي ذلك الوقت، كان حزب بيربوك "الخضر"، يريد طرح الاستراتيجية على التصويت في الإدارات الحكومية المختلفة في فترة أعياد الميلاد، لكن مسؤولين مقربين من شولتز ووزير المالية، رأوا أن الوقت لم يحن بعد لدفع هذه الاستراتيجية للأمام.
وشرح المقربون من شولتز وليندنر، خلال اجتماع الحكومي، أسباب استعمال الفيتو ضد استراتيجية الأمن القومي التي تشرف عليها بيربوك، وحددوا حوالي 30 بحاجة للدراسة وإعادة الصياغة.
ووفق "دير شبيغل"، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به في المشروع المقترح، وسط انتقادات من شولتز وليندنر بأن منظور الاستراتيجية المقترح "أوروبي للغاية".
وأشار المسؤولون في مكاتب شولتز وليندنر إلى أن موظفيهم كانوا يعملون بأقصى سرعة لفترة طويلة بسبب الوباء والحرب ويستحقون قسطًا من الراحة، وأمروا بتعليق العمل على الاستراتيجية في الوقت الحالي، على أن تظل بندوها وتفاصيلها "سرية"، وفق المجلة الألمانية.
وظاهريًا، يدور الخلاف بين بيربوك وليندنر وشولتز حول الصياغات والمواعيد النهائية لإقرار استراتيجية الأمن القومي، لكنه يتناول شيئا آخر في جوهره، يتعلق بسؤال: من المسؤول عن السياسة الخارجية: المستشارية أم وزارة الخارجية؟ من سيهيمن على الصورة الخارجية لألمانيا في السنوات القليلة المقبلة: شولتز أم ببربوك؟
التوافق الوحيد بين الأطراف المختلفة في مفاوضات استراتيجية الأمن القومي، يتعلق بالحاجة إلى تنسيق أفضل بشأن القضايا الأمنية.
في المقابل، هناك خلاف حول ما إذا كانت هناك حاجة إلى هيئة جديدة تنفذ الاستراتيجية مثل "مجلس الأمن القومي"، إذ ترفض المستشارية التخلص من الهياكل القديمة.
وبحسب دير شبيغل، يساور البعض في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم "حزب شولتز"، الشكوك في أن وزيرة الخارجية تريد تقييد نطاق عمل المستشار من خلال تحديد سياسات وهياكل مسبقا في الاستراتيجية المقترحة.
الأكثر من ذلك، أن هناك انتقادات ومطالب واضحة من طرف ثالث، هو وزير المالية، إذ يثير مكتب كريستيان ليندنر بشكل واضح مسألة كيفية مكافحة تمويل الإرهاب بشكل أكثر فعالية، ويطالب بإيلاء المزيد من الاهتمام لمكافحة غسل الأموال.
يشكو مكتب ليندنر أيضًا من أن المسودة لم تكن مدروسة جيدًا، ولا تعدو كونها مجموعة من الأفكار.
في المقابل، يفسر المحيطون ببيربوك توقيت الاعتراضات على استراتيجية الأمن القومي، بأن شولتز وليندنر منزعجين من الشعبية الكبيرة لوزيرة الخارجية، ويحاولون تعطيل المسار.