لا يزال الإرهاب التهديد الأمني الأهم في ألمانيا وأوروبا، ما يدفع المؤسسات السياسية إلى البحث عن جذور الظاهرة وتتبع أثرها حتى في السجون.
وحاول طلب إحاطة قدمه الاتحاد المسيحي، حزب المعارضة الرئيسي، في البرلمان الألماني، في ٨ سبتمبر/أيلول الجاري، الاقتراب من ظاهرة تفريغ السجون من الإرهابيين، حتى في أوروبا.
طلب الإحاطة الذي حمل توقيع فريدريش ميرتس زعيم المعارضة وحصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، يقول بوضوح إن "الإرهاب الإسلاموي كان وسيظل أحد أكبر التهديدات للأمن الداخلي في ألمانيا وأوروبا".
وأضاف أنه "عام 2020 على وجه الخصوص، مع الهجمات المميتة في باريس ودريسدن ونيس وفيينا، بات واضحا للمحققين أن التهديد الذي يمثله الإرهاب مستمر بلا هوادة".
ومضى قائلا: "مع الهجمات الإرهابية في باريس عام 2015، ظهرت ظاهرة تفريغ السجون للمتطرفين الإسلامويين، في دائرة الضوء لأول مرة".
وأشار إلى أن "القتلة تعرضوا في هذه الهجمات إلى التطرف داخل السجون في فرنسا، وبعد إطلاق سراحهم، اقتحموا مكاتب تحرير المجلة الساخرة شارلي إيبدو، وفتحوا النار".
طلب الإحاطة قال أيضا "كان منفذا الهجمات الدامية في فيينا ودريسدن عام 2020، مفرج عنهما من السجن قبل الهجمات أيضا".
وقال: "في ألمانيا، يلعب المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية والمكتب الاتحادي لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) دورًا مركزيًا في الدفاع ضد مخاطر الإرهاب الدولي"، لكن طلب الإحاطة وجه عدة أسئلة للحكومة.
أسئلة مهمة
أول الأسئلة في طلب الإحاطة هو "على حد علم الحكومة الفيدرالية، كم عدد التهديدات المرتبطة بالإسلاموية، والأشخاص ذوي الصلة الموجودين حاليًا في السجون الألمانية؟".
وتابع طلب الإحاطة "على حد علم الحكومة الفيدرالية، كم عدد الأشخاص ذوي الصلة بالتهديدات الإسلاموية، الذين تم إطلاق سراحهم من السجون الألمانية منذ 1 يناير/كانون ثاني 2022؟".
طلب الإحاطة ذكر أيضا، "هل تعتزم الحكومة الفيدرالية تقديم تقرير حالة على الصعيد الوطني أو تنسيق بين المؤسسات، بشأن التهديدات الإسلاموية التي يمثلها أشخاص في السجون الألمانية، أو غيرهم من المتطرفين، بحيث يكون لدى إدارات السجون جنبًا إلى جنب مع السلطات الأمنية المسؤولة على المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات معرفة مشتركة، وقدرة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة التهديدات الإرهابية؟".
وذكر أيضا، "ما هي المعرفة، من الدراسات العلمية أيضًا، التي تمتلكها الحكومة الفيدرالية حول تطرف السجناء في السجون الألمانية من خلال التأثيرات الداخلية والخارجية؟".
وأردف "على حد علم الحكومة الاتحادية، ما هي الإجراءات التي يتم اتخاذها لرصد التهديدات الإسلاموية والأشخاص المرتبطين بها، من منظور أمني حتى بعد إطلاق سراحهم من السجون؟".
"خطر قائم"
ووفق مراقبين، فإن طلب الإحاطة يعد خطوة في الاتجاه الصحيح، ومحاولة لوضع مقاربة شاملة لمواجهة الإرهاب، إذ يبحث في قضية التطرف في السجون، والتي كانت حاضرة بشكل كبير في الهجمات الأخيرة في أوروبا.
وخلصت ورقة بحثية سابقة، لـ"المركز الاتحادي للتعليم السياسي" (حكومي بألمانيا)، إلى أنه "يمكن للسجون أن تحدد مسار مستقبل السجناء"، مضيفة "أظهرت هجمات السنوات الأخيرة أن السجون يمكن أن تكون بؤرًا لعمليات التطرف. لذلك يجب تكثيف العمل الوقائي، لا سيما في السجن".
الورقة البحثية التي تعرض "العين الإخبارية" مقتطفات منها، ذكرت أن "العائدون من القتال في صفوف تنظيمات إرهابية بسوريا، والذين تتزايد أعدادهم في السجون، يٌنظر إليهم من قبل العديد من السجناء المسلمين على أنهم أبطال ونماذج يحتذى بها، ويستمعون إليهم".
وتابعت "هؤلاء العائدون لم يصابوا بصدمة نفسية وخيبة أمل من تجاربهم، لكنهم يتشبثون بالتطرف، ويمكن أن يتضاعف خطرهم في السجون بسرعة".
وأضافت "كما هناك أيضًا السجناء المتطرفون الذين لم يذهبوا إلى سوريا أو العراق، لكنهم يحملون آراء متطرفة ويثيرون القلق في السجن".
"تهديد مرتفع"
ولا يزال التهديد الإرهابي في ألمانيا في مستوى مرتفع، إذ ألقت السلطات الألمانية في منتصف أغسطس/آب، القبض على سوري للاشتباه في دعمه لتنظيم "داعش" في برلين.
وأعلن الادعاء العام الألماني في حينه، أن السلطات الأمنية ألقت القبض على سوري سافر إلى وطنه عام 2019 للقتال في صفوف التنظيم الإرهابي، أو لتنفيذ هجمات، وعندما أخفق في ذلك بسبب إصابته، صار مسؤولا على الاتصال بنساء "داعش" اللواتي أردن الفرار من معسكر كردي.
كما اتهم المحققون الرجل بأنه نظم تحويلات مالية إلى "داعش" بعد 6 أشهر من عودته إلى ألمانيا. بالإضافة إلى ذلك، يُشتبه في أنه اشترى ثلاث بنادق هجومية عبر وسطاء في سوريا.
ومساء الخميس الماضي، أصيب شخصان في هجوم طعن بسكين في مدينة أنسباخ بجنوب ألمانيا، قبل أن يُقتل منفذ الهجوم برصاص الشرطة التي تقول إنها تحقق بوجود سياق "إرهابي أو إسلاموي" محتمل.
وفي ديسمبر/كانون أول 2016، نفذ تنظيم "داعش" أعنف هجماته في ألمانيا، عندما اقتحم التونسي، أنيس العامري، سوق لأعياد الميلاد في برلين، ودهس بسيارة ضخمة العشرات، ما أدى إلى مقتل 12 شخص وإصابة 48 آخرين.