سارة فاجينكينخت.. نجمة شعبوية تحرك مياه السياسة الألمانية
نادرا ما يظهر في ألمانيا سياسيون يثيرون الانقسام مثل سارة فاجينكينخت.
وبالنسبة لمنتقديها فإن فاجينكينخت "ديماغوغية محبة لروسيا"، أما حشود معجبيها فيرون في سارة نجمة أحدثت انفجارا من الشعبية في بلد عادة ما يفضل السياسات الهادئة والتوافقية.
ورغم حداثة تحالفها السياسي الذي يحمل اسمها وأطلقته في يناير/كانون الثاني الماضي، فإن صيغتها السياسية غير التقليدية ونجاحها المبهر يثبتان موهبة سارة فاجينكينخت في ريادة الأعمال السياسية وإجبار السياسيين الآخرين على الرقص على أنغامها.
وفي مقابلة استمرت 90 دقيقة مع مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، حددت فاجينكينخت فلسفتها السياسية وأهداف مشروعها وأوضحت سبب إطلاق حزب سياسي يحمل صورتها واسمها قائلة "دون وجه بارز، لا أحد يعرف ما تمثله الأحزاب الجديدة".
وأضافت "إنه ببساطة برنامج يتوافق مع ما يريده كثير من الناس، فمن ناحية يمثل العدالة الاجتماعية، ومن ناحية أخرى يتبنى سياسة محافظة قائمة على التقاليد الثقافية والحد من الهجرة، وتعالج مسألة الحرب والسلام".
وتمزج سياسة فاجينكينخت التي تصفها بأنها "محافظة يسارية" بين قائمة تقليدية من السياسات اليسارية مثل فرض ضرائب أعلى على الأغنياء، وزيادة المعاشات التقاعدية وتبني الحد الأدنى للأجور، والتشكيك في الشركات الكبرى؛ وبين الاهتمام القومي بالهوية الثقافية.
وتدعم فاجينكينخت الحاصلة على درجة الدكتوراه في الاقتصاد الجزئي، النموذج الصناعي الألماني وعموده الفقري المتمثل في الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم التي يُنسب إليها الفضل في توفير أجور ووظائف لائقة للألمان.
وترى فاجينكينخت أن حكومة ألمانيا، التي وصفتها بأنها "الأكثر غباءً في أوروبا"، عاقت الشركات بفرض عقوبات على الغاز الروسي، وتأسف لـ"حماقة" نشطاء، كما أنها صريحة بشأن "المشكلات الرئيسية" للهجرة التي تقول إنها "تطغى تمامًا على ألمانيا".
ويدور العرض السياسي لفاجينكينخت حول أوكرانيا، أو ما تسميه "السلام" حيث وجدت في الحرب قضية تفصلها تماما عن التيار الرئيسي المؤيد لكييف في ألمانيا.
ورغم إدانتها للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فإنها تعتقد أنها جاءت نتيجة مخاوف روسية مشروعة بشأن توسع حلف شمال الأطلسي (ناتو)، كما تلقي باللوم جزئيا على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بسبب "موقفه المتصلب" من استمرار القتال.
وتقول فاجينكينخت إنها تقبل حاجة أوكرانيا إلى ضمانات أمنية في حالة التسوية السلمية التي تطالب بها، لكنها تفضل أن تأتي هذه الضمانات من دول مثل الصين وتركيا.
كما تؤكد ضرورة منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو بسبب مخاوف موسكو التي كانت سببا في إشعال الحرب.
وبالنسبة لألمانيا، ترى أنه "كان من الحكمة التمسك بالسياسة القديمة المتمثلة في التوسط بين روسيا وأوروبا الشرقية والولايات المتحدة"، بدلاً من إرسال الأسلحة والدبابات إلى أوكرانيا.
وبسبب رؤيتها، تعتبر المؤسسة الألمانية فاجينكينخت "سامة للغاية" في المقابل، تظهر السياسة الألمانية المثيرة للجدل بشكل متكرر في دعاية الكرملين بسبب آرائها التي تعد تكرارا لأحاديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ونشأت فاجينكينخت في ألمانيا الشرقية الشيوعية، وظلت مؤمنة بالأفكار الشيوعية بعد سقوط جدار برلين، وفي مشوارها السياسي انضمت إلى الحزب اليساري المتشدد "دي لينكه".
وخلال العقد الأول من القرن الـ21 كانت فاجينكينخت زعيمة مشاركة للمجموعة البرلمانية لحزب "دي لينكه"، وهو ما جعلها شخصية بارزة في البرامج الحوارية وكاتبه معروفة.
ومع اندلاع التوترات مع اليسار بشأن قضايا الهجرة ومع تزايد قوة علامتها التجارية الشخصية أصبح الانفصال عن الحزب أمرا لا مفر منه مع الإعلان عن نيتها تغيير "السياسة الألمانية، ليس لسنوات، بل لعقود".
وكان الظهور السياسي الأول لحزبها الجديد هو الأكثر إثارة للإعجاب في تاريخ ألمانيا حيث حصل على أكثر من 6% من الأصوات في أول اختبار له، في انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران الماضي.
بعدها حقق الحزب نتائج مبهرة في الانتخابات المحلية في 3 ولايات شرق ألمانيا تحظى داخلها فاجينكينخت بشعبية كبيرة دائما وهي ساكسونيا وتورينجيا وبراندنبورغ.
ورغم تفوق حزب البديل من أجل ألمانيا في الشرق ورغم أن حزبها لم يكن موجودا قبل عام واحد فإنه الآن يستعد لتولي السلطة في 3 ولايات من أصل 16 ولاية ألمانية.
ورغم دعوتها للتسوية في أوكرانيا فإنها تناور بقوة وترفع رهاناتها بإصرار خلال مفاوضات تشكيل ائتلاف حكومي في الولايات الشرقية وهي تضع نصب عينيها الانتخابات الفيدرالية العام المقبل.