تحالف «سارة فاغنكنخت».. صانع الملوك الجديد في السياسة الألمانية
تركز الاهتمام على صعود أقصى اليمين في الانتخابات المحلية الألمانية، وتداعياته، لكن ضيفا جديدا من الطرف الآخر للطيف السياسي، يفرض نفسه.
وفيما تنطبق عناوين مثل "تصدر المشهد"، أو "الموجة الزرقاء" على نتائج حزب البديل لأجل ألمانيا "أقصى اليمين" التاريخية في انتخابات ولايتي تورينغن وساكسونيا، الأحد الماضي، فإن عصا "صناعة الملوك" السحرية ذهبت لليسار الشعبوي.
إذ بات المشهد السياسي الألماني في الولايتين، رهنا لتوجهات اليسار الشعبوي الذي يمكن أن يقلب المشهد السياسي رأسًا على عقب، وفقا لما طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة "الغارديان" البريطانية.
والأحد الماضي، حقق الحزب اليساري الألماني "تحالف سارة فاغنكنخت" (BSW)، المركز الثالث في الانتخابات المحلية في ولايتي تورينغن (16%) وساكسونيا (12%) في شرق البلاد، خلف حزب البديل من أجل ألمانيا، والحزب الديمقراطي المسيحي "يمين الوسط" على الترتيب.
ووفق "الغارديان"، تضع هذه النتائج "تحالف سارة فاغنكنخت"، في موقف "صانع الملوك".
مفاوضات الائتلاف
ووقت إعلان النتائج، قالت سارة فاغنكنخت، زعيمة الحزب اليساري الشعبوي، على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، إن "النتيجة التاريخية" تحققت من البداية الراسخة.
ففي غضون 8 أشهر، تحول تحالفها اليساري من حزب ناشئ من الشعبويين المنشقين، إلى لاعب حاسم لديه القدرة على قلب المشهد السياسي الألماني رأسًا على عقب.
وعلى غرار الأحزاب الرئيسية الأخرى، رفض حزب "سارة فاغنكنخت" أي احتمال للدخول في ائتلاف حاكم مع حزب البديل لأجل ألمانيا، رغم أنه لم يستبعد التعاون في الموضوعات التي يتفق عليها الحزبان.
ولكن المكانة القوية الجديدة للحزب اليساري، تعني أن مفاوضات تشكيل الحكومة في أي من الولايتين لا يمكن أن تتم بدونه.
وعندما سُئِلت ليلة الأحد، عما إذا كانت مستعدة للتفاوض على منصب في حكومات الولايات، ردت فاغنكنخت (55 عاماً) بابتسامة غامضة. وبحلول أمس الإثنين، بدت منتصرة وجريئة، وأكثر انفتاحاً على الفكرة.
إذ قالت في مؤتمر صحفي، وهي محاطة بمرشحي الحزب الرئيسيين من الولايتين: "هذا يوم رائع. لقد أصبحنا عامل قوة في ألمانيا، يمكننا استخدام هذا المنصب لتحريك الأمور حقًا في هذا البلد".
واعتبرت فاغنكنخت أن التصويت لصالح تحالفها كان "تعبيرًا عن المزاج السائد في ألمانيا".
"نهج واضح"
وألقى المؤتمر الصحفي الذي عقد يوم الإثنين، الضوء على موقف الحزب اليساري الشعبوي، إذ تحدثت المرشحتان الناجحتان عن الحزب، سابين زيمرمان عن ولاية ساكسونيا وكاتيا وولف عن ولاية تورينغن، عن الحاجة إلى تحسين الحياة اليومية، مثل وسائل النقل العام، والرقمنة في النظام الصحي، والمعايير في الفصول الدراسية.
من جانبها، كانت فاغنكنخت أكثر حرصا على التأكيد على أهدافها خارج مستوى الولايات: معالجة سياسة الطاقة "المدمرة" التي تنتهجها الحكومة الاتحادية، ووقف قرار نشر صواريخ أمريكية متوسطة المدى على الأراضي الألمانية.
ومن جانب آخر، تسير فاغنكنخت على خط رفيع من الناحية الجيوسياسية؛ فهي لا تدعو إلى خروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي (الناتو) - على عكس حزب البديل من أجل ألمانيا- بل تدعو بقوة إلى أن تتفاوض أوكرانيا مع روسيا لإنهاء الحرب.
وقالت يوم الإثنين، إن "الوسائل الدبلوماسية لم تستنفد بأي حال من الأحوال".
"انشقاق وصعود"
وتمثل آراء فاغنكنخت مزيجًا انتقائيًا من الاقتصاد ذي الميول اليسارية والخطاب المناهض للهجرة والسياسة الخارجية المبنية على الشك في الولايات المتحدة، والدعم لروسيا.
ولسنوات، كانت فاغنكنخت، وجه حزب اليسار الذي ولد من رحم الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية، تعبر غالبًا عن إحباطها من السياسة التقليدية.
وفي عام 2018، أطلقت حركة Aufstehen (انهض)، وهي حركة مستوحاة من احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا وحركة "Momentum" التي دعمت رئيس حزب العمال السابق، جيريمي كوربين في المملكة المتحدة.
وفي الخريف الماضي، بعد أشهر من المغازلة مع الفكرة، تركت حزب اليسار نهائيًا لتشكيل حزبها الذي يحمل اسمها.
وتحت قيادتها، وفي ظل استياء واسع النطاق من الحكومة الائتلافية بقيادة أولاف شولتز، اقتحم حزبها المخططات السياسية، متجاوزًا بسرعة حزب اليسار، واستخدم بكفاءة الانتخابات البرلمانية الأوروبية في يونيو/حزيران الماضي كنقطة انطلاق لمزيد من الشهرة والشعبية.
ووُصف هذا الحزب الصاعد، بأنه يملأ فجوة في المشهد السياسي، من خلال الجمع بين السياسات اليسارية واليمينية على حد سواء، وفق الغارديان.
إذ يشن حملات على كل شيء بدءًا من معاشات تقاعدية أكثر سخاءً وزيادة الحد الأدنى للأجور إلى تقييد تدابير حماية المناخ وتشديد لوائح اللجوء.
وعلى غرار حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي برز على خلفية السخط على سياسة "الباب المفتوح" التي انتهجتها المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، تجاه اللاجئين في عام 2015، استفاد حزب فاغنكنخت من التصور المتزايد بأن أكبر اقتصاد في أوروبا مثقل بأعباء اللاجئين.
"البداية"
وفي مفارقة قوية، ولدت فاغنكنخت في مدينة جينا بولاية تورينغن، التي حصل فيها حزبها على المركز الثالث (16%) في انتخابات الأحد الماضي، ليبدأ رحلة الصعود من مسقط رأسها.
ومن المؤكد الآن أن السياسية التي تعرضت للهجوم بالطلاء في تجمع انتخابي، في إرفورت الأسبوع الماضي، ستكون الآن لاعبة رائدة، ومسببة للانقسام بشكل عميق، في الانتخابات الفيدرالية المقررة العام المقبل.