بيع الوهم لعمالقة المال والسياسة في أمريكا.. قصة مليارديرة "النصب"
باعت إليزابيث هولمز، أصغر مليارديرة عصامية، الوهم لمليارديرات ومشاهير أمريكا، في واحدة من أكبر قضايا الاحتيال بالعالم.
وأدانت المحكمة، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة اختبارات الدم، "Theranos"، إليزابيث هولمز، وأثبتت أنّها مذنبة في 4 تهم تتعلق بالاحتيال، والتآمر عبر الإنترنت، وذلك بعد محاكمة استمرت 3 أشهر، وفقًا لوكالة أسوشيتيد برس.
وتمكنت هولمز، من اجتذاب شخصيات سياسية رفيعة المستوى، إلى مجلس إدارة الشركة مثل هنري كيسنجر، وجيمس ماتيس، وحتى روبرت مردوخ، ضخ أموالا في الشركة التي رأى فيها استثمارا مربحا.
وتمّ اتهام إليزابيث هولمز بالاحتيال على المستثمرين، والأطباء والمرضى، الذين استخدموا أجهزة فحص الدم التابعة لشركتها، وذلك حسب مجلة "فوربس الأمريكية".
وتصف شبكة "بي. بي. سي"، تحوّل الحلم الذي كانت تبيعه إليزابيث إلى "كابوس" لأن التكنولوجيا لم تنجح، إلا أن المستثمرين لم يكونوا على علم بالأمر.
هولمز تبيع الهواء
"نود أن نرى عالمًا يستطيع فيه كل شخص إجراء هذا النوع من الاختبارات الأساسية".. كانت هذه رؤية إليزابيث هولمز، التي تركت دراستها في جامعة ستانفورد وهي في سنّ 19 عامًا فقط.
وكانت هولمز تطمح إلى إحداث ثورة في الاختبارات التشخيصية، وحققت شهرة في وادي السيليكون بعد تأسيس شركة ثيرانوس Theranos في 2003.
لكن بعد سنوات من الدعاية الخادعة وجذب مليارات الدولارات في وقت لاحق، لم تثمر هذه الوعود شيئا ولم تر الأجهزة الموعودة النور.
ويقول المدعون العامون إن هولمز كانت على علم بذلك لكنها استمرت في خداع المستثمرين والأطباء والمرضى حتى تتمكن من جمع 700 مليون دولار.
وقدرت "فوربس"، ثروتها الصافية بنحو 4.5 مليار دولار في عام 2015.
أصغر مليارديرة عصامية
كانت فكرة هولمز، التي جعلتها مليارديرة تعتمد على بناء آلة تستطيع اكتشاف مئات الأمراض، عن طريق فحص بضع قطرات من الدم.
جذبت الفكرة العديد من المستثمرين، وشهدت المكاتب الفخمة لشركة "ثيرانوس"، حضور العديد من المشاهير، حتى أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قام بزيارتها أثناء تواجده في كاليفورنيا وأثنى على نجاحها.
تحول الحلم إلى كابوس
ورحب العالم بـ إليزابيث هولمز، وأطلق عليها اسم "خليفة ستيف جوبز"، لكنها أدينت بالاحتيال عمدًا على المستثمرين، ولكنها لم تدن بالاحتيال على المرضى.
وتحدّث جيمس كلايتون، مراسل شبكة " بي. بي. سي"، إلى آيلين لابيرا، السكرتيرة في وادي السيليكون، والمستثمرة سابقة في ثيرانوس، عن انهيار شركة هولمز لفحص الدم، والتي بلغت قيمتها السوقيّة 9 مليارات دولار.
تقول آيلين، إن رئيسها في "وادي السيليكون"، رأى في "ثيرانوس" ستصبح شركة "أبل" التالية، ونصحها بشراء العديد من الأسهم، ما جعلها تستثمر أكثر من مليون دولار، وهو رقم كبيرًا بالنسبة لها.
أضافت آيلين "إليزابيث كانت تعمل بسرية، لهذا لم يكن لدينا أدنى علم عما إذا كانت تبلي بلاء حسنًا أم أنها على وشك الانهيار".
إدانة هولمز
وجد المحلفين في محكمة سان خوسيه الفيدرالية في كاليفورنيا، أن الشابة البالغة من العمر 37 عامًا غير مذنبة في 4 تهم إضافية، ولم يتمكنوا من الاتفاق على حكم بشأن التهم الثلاث الأخيرة بعد 7 أيام من المداولات.
وظهر أن هولمز، مذنبة في التهم الأربعة المتعلقة بالاحتيال، والتآمر على المستثمرين، ولم يظهر أنها مذنبة فيما يتعلق بالاحتيال والتآمر ضد المرضى، والأطباء، وكانت التهم الثلاث التي وصلت إلى طريق مسدود تتعلق بتحويلات برقية محددة.
وجادل المدعي العام خلال المحاكمة التي استمرت 3 أشهر، بأن هولمز كانت "على دراية تامة "بأن آلات "ثيرانوس"، لا يمكنها إجراء عشرات الاختبارات باستخدام بضع قطرات من الدم فقط على الرغم من ادعائها ذلك، وتحريفها لإيرادات شركتها، واستخدام أجهزة طرف ثالث معدلة لتضليل المستثمرين، والمنظمات الشريكة في محاولة لكسب المال والشهرة.
ويمكن للمدعين إجراء محاكمة جديدة في التهم الثلاث التي وصلت إلى طريق مسدود، وفقًا لصحيفة "وول ستريت جورنال".
كيف تأسست "ثيرانوس" قبل 19 عامًا؟
جمعت شركة "ثيرانوس" الناشئة عام 2004، أكثر من 6 ملايين دولار لتصل إلى تقييم بنحو 30 مليون دولار، بحسب رويترز.
وفي 2009، انضم صديق هولمز آنذاك، راميش "صني" بالواني، إلى ثيرانوس، كرئيس تنفيذي للعمليات، ثم بعد ذلك بسنة جمعت ثيرانوس 45 مليون دولار أخرى، ووصلت إلى تقييم مليار دولار.
وأصبحت "ثيرانوس"، محط أنظار أعضاء مجالس إدارة رفيعي المستوى، بما في ذلك وزيرا خارجية سابقين للولايات المتحدة، هما جورج شولتز، وهنري كيسنجر.
وعام 2012، انتقلت الشركة إلى مقر "فيسبوك" السابق في بالو ألتو، كاليفورنيا.
ثم، بدأت في 2013 في الترويج لتقنيتها، مدعية أنها قادرة على إجراء مجموعة واسعة من الاختبارات من قطرة دم واحدة باستخدام آلة تسمى "إديسون"( Edison)، ودخلت في شراكة مع محلات البيع بالتجزئة الكبيرة "Walgreens Boots Alliance".
وفي عام 2014، وبعد جمع ثيرانوس أكثر من 400 مليون دولار، قفزت قيمة الشركة السوقيّة فوق 9 مليارات دولار.
ودخلت هولمز نادي المليار، بحسب تقديرات "فوربس"، وذلك بفضل حصتها في الشركة.
وبدأت الظلال تحوم حول الشركة في فبراير/شباط 2015، عندما انتقد مقال في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، شركة "ثيرانوس"، لفشلها في نشر أي من أبحاثها في المجلات التي يراجعها الأقران، بحسب رويترز.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2015، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن "ثيرانوس"، تستخدم تقنيتها لعدد صغير فقط من اختباراتها، وأن الموظفين يشككون في دقتها.
وأصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، لاحقًا نتيجة مفادها أن الشركة استخدمت أجهزة غير معتمدة لإجراء الاختبارات.
وأصدرت المراكز الأمريكية للخدمات الطبية والرعاية الطبية (CMS) في يناير/كانون الثاني 2016 تقريرًا يفيد بأن أحد مرافق الشركة يمثل "خطرًا على صحة المريض وسلامته".
وقالت الهيئة، إن التفتيش كشف أن المنشأة لا تفي بمعايير مراقبة الجودة الخاصة بها.
وفي يونيو/حزيران 2016، أنهت Walgreens عقدها مع ثيرانوس، لتتبعها شركة إدارة الأموال Partner Fund Management في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، والتي استثمرت نحو 100 مليون دولار في ثيرانوس، وقامت بتوجيه تهمة الاحتيال في الأوراق المالية لثيرانوس، مدعية أن ثيرانوس كذبت بشأن تقنيتها لتأمين الاستثمار.
وفي أبريل/نيسان 2017، حظرت مراكز الرعاية الطبية والخدمات الطبية "ثيرانوس"، من إجراء اختبارات الدم لمدة عامين.
واتهمت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في مارس/شباط 2018 ثيرانوس، وهولمز، وبلواني، بتهمة الاحتيال في الأوراق المالية.
وتم تجريد هولمز من حصتها في الشركة وفقدت سيطرتها عليها.
وفي يونيو/حزيران من العام ذاته، تم اتهام هولمز وبلواني بالاحتيال الجنائي، ما أدى إلى إعلان إفلاس الشركة في سبتمبر/ أيلول 2018.