مجموعة الأبحاث الخاصة بمجموعة الإيكونيميست البريطانية قدمت تقريرا تضمن تقديرا بالغ التشاؤم لوضع المديونية الخارجية خاصة للبلدان الفقيرة
تتحول أزمة فيروس كورونا لتلقي بعبئها الأكبر على البلدان النامية وخاصة دول الأسواق الناشئة، فقد شهدت الأسواق الناشئة سحب المستثمرين العالميين في المحافظ لاستثمارات بلغ حجمها 83.3 مليار دولار من الأسهم والسندات حتى شهر مارس الماضي بسبب عدم اليقين حول انتشار الفيروس وآثاره وما حدث من صدمات في أسعار الأصول المالية، أضف إلى ذلك تراجع النشاط الاقتصادي حيث حذر البنك الدولي من أن اقتصادات الدول النامية عموما قد تشهد تراجعا في الناتج يصل إلى اثنين في المئة في العام الحالي، وهو ما يمثل أول انكماش على المستوى الجماعي لتلك الدول منذ عام 1960. وقال البنك إن النتائج قد تكون أسوأ كثيرا حيث قد يهبط الناتج بحوالي ثلاثة بالمئة إذا لم ينتعش الاستثمار والاستهلاك.
وقد أضيرت مصادر إيرادات النقد الأجنبي الرئيسية في عموم الدول النامية بسبب التوقف التام للنشاط السياحي الدولي وانخفاض وتيرة الصادرات مع انخفاض الطلب العالمي، وتراجع حركة التجارة الدولية وانخفاض أسعار العديد من السلع الأولية، علاوة على خسارة قسم من التحويلات التي يقوم بها بعض أبناء هذه البلدان سواء في الدول الغربية أو في الدول النفطية، وقد دفع الانخفاض في إيرادات العملات الصعبة وانسحاب الاستثمارات الأجنبية في المحافظ إلى تراجع في قيم أسعار صرف العديد من البلدان وخاصة في الأسواق الناشئة، كما دفع أيضا إلى المزيد من طلبات الاقتراض من هذه الدول سواء من المؤسسات المالية المتعددة الأطراف كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية أو من السوق المالية الدولية، وينتظر أن يترتب على ذلك خروج البلدان النامية الفقيرة وبلدان الأسواق الناشئة بمستوى مديونية أكبر بعد انتهاء جائحة فيروس كورونا.
العديد من البلدان ستخرج من الأزمة الاقتصادية الراهنة لفيروس كورونا بديون أكبر وسوف تكون مضغوطة ماليا أكثر من السابق.
وقد قدمت مجموعة الأبحاث الخاصة بمجموعة الإيكونيميست البريطانية مؤخرا تقريرا تحت عنوان "أزمة الديون السيادية قادمة" تضمن تقديرا بالغ التشاؤم لوضع المديونية الخارجية خاصة للبلدان الفقيرة وبلدان الاقتصادات الناشئة فيما بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا، ومعظم التمويل من الديون الجديدة (وإن كان بشروط ميسرة) سوف يضاف إلى ميزانيات الاقتصادات الناشئة بشكل خاص. علاوة على ذلك، فالمساعدة التي قدمتها مجموعة العشرين في هذا الإطار كانت بقرارها تأجيل سداد مدفوعات الديون السيادية للدول الأكثر فقرا خلال هذا العام، أي أن القرار كان تأجيل سداد الدين وليس شطبه، وبذلك سوف تبقى مدفوعات تسديد الدين قائمة وستظل تجني فوائد مع مرور الزمن، ويذهب التقرير إلى أن العديد من البلدان ستخرج من الأزمة الاقتصادية الراهنة لفيروس كورونا بديون أكبر وسوف تكون مضغوطة ماليا أكثر من السابق، وسوف يثير هذا المخاوف حول مدى قدرة هذه البلدان على سداد الدين الخارجي في غياب خطط أكثر شمولا لتخفيف عبء هذه الديون، وربما لن يحدث العجز عن سداد الديون السيادية هذا العام، ولكنه محتمل بين البلدان الفقيرة في الأجل المتوسط.
ويضيف تقرير "الإيكونيميست" تساؤلا في موضعه عن ماهية موقف الصين من ديونها للدول الفقيرة ودول الاقتصادات الناشئة؟ حيث ترى أن دور الصين كدائن سوف يعقد من عملية إعادة الهيكلة. وتعد الصين حاليا أكبر مقرض منفرد للبلدان منخفضة الدخل وبلدان الأسواق الناشئة، والعديد من الأسواق الناشئة تطور لديها خلال السنوات الماضية تعرض مالي كبير للصين عن طريق التسهيلات الائتمانية وترتيبات القروض المرتبطة غالبا بالمشروعات التجارية، وهي قروض تمت عند أسعار الفائدة السائدة في السوق العالمي وتم تقديم ضمانات لها، ووفقا لتقرير نشره معهد كييل الألماني في يونيو 2019 عن الاقتصاد العالمي، كانت الدول النامية وبلدان الأسواق الناشئة تدين بنحو 380 مليار دولار للصين في نهاية عام 2017، مقارنة بنحو 246 بليون دولار ديونا لمجموعة البلدان الاثنين وعشرين المكونة لنادي باريس، ورصيد الديون القائمة –والتعرض الأكبر للصين- زاد أكثر خلال السنوات الأخيرة، مع الوضع في الاعتبار تعهدات التمويل التي قدمتها الصين خاصة للبلدان الأفريقية، وفيما إذا كانت الصين ستوافق على إعادة التفاوض حول القروض التي قدمتها للبلدان الفقيرة ما يزال أمرا غير واضح. وربما تقبل الصين بتمديد أجل سداد جزء من هذا الدين، وإذا لم تتم عملية إعادة هيكلة الدين أو لم يتم سداده، فربما تنظر الصين في الاستيلاء على بعض الأصول من المدينيين لها، مثلما حصلت على ميناء في سيريلانكا في عام 2018. ومن المتوقع أن يزيد اعتماد البلدان الأكثر فقرا على الصين في المدى المتوسط.
ويرى التقرير أن العمليات الواسعة لتخفيف عبء الديون تواجه تحديات رئيسية، وربما من الممكن أن يتوجه الانتباه لعملية إعادة هيكلة الديون وتخفيف عبئها مع انفضاض أزمة فيروس كورونا في البلدان النامية وبلدان الأسواق الناشئة، وتتطلب خطوات في هذا الاتجاه قيادة مجموعة العشرين، ودعم المؤسسات المالية متعددة الأطراف، كما لا بد وأن تتضمن بشكل أساسي، المشاركة التامة للصين، وإذا تم إضافة الدائنين من القطاع الخاص فسوف يقدم هذا دفعة كبيرة، ولكن هذا أمر من غير المحتمل حدوثه، كما أنه من غير الواضح أيضا فيما إذا كانت صناديق الاستثمار الخاصة ستقبل بعملية إعادة هيكلة الديون، وإذا وافقت فبأي شروط. وتشير طبيعة الانقسام الجيوسياسي الراهن على المستوى العالمي، إلى جانب السوابق التاريخية، إلى أن أي عملية لهيكلة الديون أو لشطبها من المحتمل أكثر أن تتم على أساس حالة بحالة وليس كسياسة عامة واسعة، وأي عملية إعادة هيكلة للديون ربما ستجعل أزمة الديون السيادية أكثر سوءا. وسوف يرسل هذا الاقتصاد العالمي إلى ركود آخر، من المحتمل أن يكون أكثر عمقا.
تقرير مجموعة "الإيكونيميست" يتسم إذا بالتشاؤم الشديد بشأن الديون الخارجية للدول الفقيرة وبلدان الاقتصادات الناشئة ويميل إلى أنه ستكون هناك عمليات عجز عن سداد الديون في العديد من البلدان، وربما يكون لدى التقرير بعض الحق في هذا التشاؤم، إذا ما وضعنا في الاعتبار حالات العجز عن سداد الديون والتفاوض حول إعادة هيكلتها في الوقت الراهن في عدد من البلدان يأتي على رأسها لبنان والأرجنتين إضافة إلى مجموعة أخرى وضع ديونها الخارجية في حالة صعبة، وربما تواجه قريبا مشكلة في سداد ديونها. والحقيقة أن بلدانا مثل لبنان والأرجنتين كانت مشكلة الديون قد تطورت لديها قبل تفشي فيروس كورونا، بينما كما سبق الذكر دفعت أزمة فيروس كورونا البلدان الفقيرة وبلدان الاقتصادات الناشئة إلى المزيد من الاقتراض مما قد يجعل من الديون مشكلة عالمية متشعبة وحادة في المدى المنظور.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة