العمل والتعليم عن بُعد سيؤديان إلى خفض كبير في بناء المرافق لعدم الحاجة لها.
مع محاولة العالم تحدي كورونا والعودة للحياة الطبيعية فإنه سيكون أمام صراع بين تيارات اقتصادية وأشدها بين تيارين اقتصاديين، الأول يمكن تسميته بالتيار الاقتصادي التقليدي أو المحافظ، ويرى أنه يجب تَحَدي كورونا وأن لا يتم تغيير نمط الاقتصاد وإبقاؤه كما كان قبل أزمة كورونا، ويعززون رأيهم بأن كورونا ليس بزلزال ضرب المصانع والعقارات ومرافق السياحة والمطارات الموانئ وغيرها، أو المواد الخام ودمرها وأزالها من الوجود فكل شيء موجود كما هو، كما أنه لم يمس آليات ومقومات الاقتصاد ويشكل مانعاً من العودة والاستمرار في العملية الاقتصادية.
كما أنهم يرون أن الدول والناس أصبح لديهم خبرة في التصرف الصحيح إذا ما انتشر شبيه لكورونا الذي فاجأهم، ويضيفون بأن اتباع غير هذا الرأي هو ضرب من ضروب الانتحار الاقتصادي.
أما التيار الثاني ويمكن تسميتهم التيار الاقتصادي الانتقالي، وهم يصفون أنفسهم بالواقعية ويرون أن التيار الأول هو تيار يتبع الأمنيات وأنه ذو نظرة ضيقة ويخشى على مكتسباته قبل كورونا التي لا يريد أن يصدق بأنها لم تعد كما كانت، لا سيما وأن أصحاب التيار الأول لا يملكون الضمان لعدم تكرار شبيه لفيروس (كوڤيد-19) بعد سنوات قصيرة وتكرار أحداثها.
مما لا شك فيه أن العمل والتعليم عن بُعد سيؤديان إلى خفض كبير في بناء المرافق لعدم الحاجة لها.
كما يضيف أصحاب التيار الثاني أن كورونا غيّر من مفاهيم الكون ورتب الأولويات سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى الدخل القومي للدول وأنه كشف عن نمط جديد من الحياة قد تكون مناسبة للإنسان أكثر ومنها العمل والتعليم عن بُعد.
مما لا شك فيه أن العمل والتعليم عن بُعد سيؤديان إلى خفض كبير في بناء المرافق لعدم الحاجة لها، وسينعكس ذلك مع مرور الوقت على كل الأنشطة التجارية المرتبطة بذلك ومنها على سبيل المثال قطاع المقاولات وما يرتبط بها من نشاطات تجارية كشركات الحديد، الألمنيوم، الخشب، الكهرباء، الآليات، النقل، الأثاث، أكسسوارت البناء، الخدمات الإدارية، بناء الطرق وما يحيط بها، الأيدي العاملة وغيرها مما لا يمكن حصرها من الأعمال المرتبطة بالمقاولات.
ومما لا شك فيه أن كل ذلك سيؤثر في بقية القطاعات الأخرى كصناعة السيارات والآليات وما يرتبط بها، وكذلك قطاع النقل والمواصلات وما يرتبط بها، وغيرها من القطاعات. لفقد الكثير من الناس وظائفهم فإن ذلك سيؤثر على بقية القطاعات السياحية والطيران والخدمات والأسواق المالية وغيرها من الشركات الكبيرة نتيجة ضعف القوة الشرائية.
و ليس من باب الخيال العلمي ولكن الواقع الذي بدأت تظهر ملامحه من خلال تحكم الذهب الشفاف المتمثل في التكنولوجيا في كثير من مفاصل حياتنا اليومية، فإن العمل والتعليم عن بُعد سيقضي أو سيؤثر بصورة كبيرة على مراكز التجمعات السكانية مع مرور الزمن حيث أن العمل عن بُعد لا يتطلب أن يكون الموظف في منطقة جغرافية محددة حيث يمكن لموظف في قارة معينة أن يؤدي وظيفته للشركة التي يعمل بها وهي في قارة أخرى.
و المؤيدون للتيار الأول قد يرون أن العمل عن بُعد لن يكون بمأمن من تأثيراته الاقتصادية السلبية إذا تم الاعتماد عليه في حالة صناعة الأوبئة الإلكترونية التي ستصيبها جراء فيروسات إلكترونية سيتم تطويرها مهما بلغت التقنيات الوقائية التي ستعتمد عليها تلك القطاعات الاقتصادية، ويحذرون من أن رهن الإنسان نفسه للتقنيات قد يجعله أسيراً مسلوب الإرادة والقرار، وسيخضع لمن يمسك بزمام هذه التقنيات ولمن خطط له أن يصل لهذه المرحلة.
و لكن يرد المؤيدون للتيار الثاني أنه مهما كانت المخاطر التي ستصيب الأجهزة الإلكترونية فإنها لن تصيب الإنسان في صحته مباشرة التي تبين أنها سيدة الاقتصاد، كما أن فرص عمل جديدة في انتظار من فقد وظائفه نتيجة استحداث قطاعات اقتصادية جديدة أكثر أمناً للإنسان.
و لكن هناك تيار ثالث يمكن أن نسميه تيار الاقتصاد الواقعي وهذا تمثله الحكومات التي لها مصلحة في ثبات المجتمعات والحفاظ على شرايينها الاقتصادية، وستحاول أن تكون أكثر عملية وتنقذ ما يمكن إنقاذه حتى لا ينهار الاقتصاد ويتضرر الناس، فلهذا ستعمل على الانتقال بصورة تدريجية إلى ما فرضه كورونا ونجاحها يتوقف على مدى ما خلفه كورونا من كارثة على اقتصادات هذه الدول.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة