هواوي تقع في مركز مبادرة بكين الجديدة للبنية التحتية التي يبلغ حجم تمويلها 1.4 تريليون دولار
منذ أكثر من عام استهدفت الإدارة الأمريكية شركات التكنولوجيا الراقية الصينية، وعلى رأسها شركة هواوي أكبر شركة تكنولوجية صينية، وغيرها من شركات التكنولوجيا بشكل أساسي من أجل عرقلة وإفشال التكنولوجيا الصينية من إحراز قصب التفوق عالميا.
والقيود الأخيرة التي فرضتها إدارة ترامب وفقا لما يطلق عليه قاعدة المنتج المباشر المصنع في الخارج لها انعكاسات على ظهور تقنية الجيل الخامس الصينية، التي تعد هواوي هي المنتج المهيمن عليها بما لا يقارن بأي شركة أخرى.
ارتكازا على هذه القاعدة يتم حرمان هواوي من الحصول على أي رقائق سيلكون يتم إنتاجها في أي مكان في العالم بالاستناد إلى المعرفة التكنولوجية الأمريكية، ويرى بعض المحللين أن هذه القيود تهدد بطل التكنولوجيا الصينية هواوي بالشلل.
ومنذ قامت وزارة التجارة الأمريكية في مايو الماضي بحظر بيع رقائق السيلكون ومقر شركة هواوي في حالة طوارئ، وترى وكالة "بلومبرج" للأنباء أن هذا الإجراء سدد ضربة إلى قلب جهاز أشباه الموصلات وإلى طموح هواوي في مجالات تمتد من الذكاء الاصطناعي إلى خدمات المحمول.
وطبقا لبعض المصادر فمخزون شركة هواوي من بعض الرقائق الأساسية لمعدات الاتصالات سوف ينفذ في أوائل عام 2021.
منذ قامت وزارة التجارة الأمريكية في مايو الماضي بحظر بيع رقائق السيلكون ومقر شركة هواوي في حالة طوارئ.
وبينما تستطيع هواوي شراء رقائق المحمول المتوفرة من أطراف ثالثة مثل شركة سامسونج للإلكترونيات أو ميديا تيك، فمن غير المحتمل أن تحصل على ما يكفيها وربما تضطر لإبداء بعض التنازلات المكلفة فيما يتعلق بمستوى أداء منتجاتها الرئيسية.
وما يخشاه كبار الإداريين في هواوي هو أنه بعد أن فشلت واشنطن بعد عام من العقوبات المفروضة على بعض الكيانات الصينية بشكل واضح في احتواء النمو السريع لهواوي، ربما تكون أخيرا قد وضعت يدها على ما يمكن أن يحطم طموحات الشركة.
وتأتي القيود الأخيرة كتتويج لحملة منسقة ضد الشركة الصينية التكنولوجية الأكبر وهي حملة بدأت منذ فترة، حينما حاول البيت الأبيض منع تدفق البرامج والدوائر الإلكترونية الأمريكية، وضغط على الحلفاء من المملكة المتحدة إلى استراليا لكي تستبعد هواوي من إقامة شبكات اتصالات الجيل الخامس لإضرارها بالأمن القومي حيث يزعم البيت الأبيض أن الصين تستخدم معدات الشركة في التجسس.
وتعد الإجراءات الأخيرة ضربة قوية دقيقة موجهة إلى هاي سيلكون، وهو القسم الذي تم إنشاؤه سرا منذ 16 عاما مضت لقيادة البحوث في المجالات الرائدة مثل رقائق استدلال الذكاء الاصطناعي. وقد حصل هذا القسم على مكانة مهمة لأنه تم النظر إليه كمنقذ في عصر الاحتواء الأمريكي.
وتعد رقائق السيلكون التي يصممها هاي سيلكون الآن مثل رقائق شركة كوالكوم الأمريكية، وتغذي هذه الرقائق العديد من منتجات هواوي مثل التليفونات المحمولة، والذكاء الاصطناعي وخوادم الكومبيوتر.
والآن يعد هذا الطموح محل شك. فكل صانع للرقائق على كوكب الأرض من شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات إلى الشركة الصينية الدولية لتصنيع أشباه الموصلات بحاجة إلى معدات وتجهيزات من شركات أمريكية مثل شركة المواد التطبيقية من أجل تصنيع الرقائق الإلكترونية.
وإذا نفذت واشنطن تهديدها بخنق الإمدادات لهواوي فلن يكون بمقدور الشركة وضع أي من تصميماتها للسيلكون المتطور رهن الاستخدام في العالم الحقيقي، وهو ما يحبط جهودها في صنع معالجاتها لأجهزة المحمول والرقائق الخاصة بمحطات الجيل الخامس، إذ ما ذكرنا منتجين فقط من أهم منتجات الشركة.
وحسب تصريحات أحد الخبراء فالحظر يركز على الرقائق المصممة في هاي سيلكون، والتي تمثل أكبر تهديد للولايات المتحدة، ويمكن حسب رأيه لقاعدة المنتج المباشر المصنع في الخارج بعدم توفير أي رقائق سيلكون تستند إلى المعرفة التكنولوجية أن تسحق هاي سيلكون، ومن ثم قدرة هواوي على صنع معدات شبكة الجيل الخامس.
ويمكن للقيود الأخيرة إثبات أنها أكثر فعالية بسبب استبعادها لقائمة اختيارات هواوي لمُصنع الرقائق.
ولو تم تنفيذ القيود الجديدة بالدرجة القصوى، فلن يعود بمقدور هاي سيلكون أخذ تصميماته لشركة تي إس إم سي (شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات) أو أي متعاقد أجنبي آخر لتصنيعها. والنظراء المحليين مثل إس إم أي سي يعملون بتكنولوجيات متأخرة جيلين وراء تي إس إم سي.
ومع هذا فقد تسربت أنباء أن شركة هواوي تحاول الالتفاف والحصول على الرقائق من شركة ميديا تك وهي شركة تايوانية أيضا، وليس من شركة تي إس إم سي مباشرة.
وفي الواقع، فإن الإجراءات الأخيرة يمكنها خلق اضطراب شديد في إنتاج بعض المنتجات الأكثر حيوية في قائمة منتجات شركة هواوي، مثل رقائق تليفونات الجيل الخامس المستقبلية، ورقائق التعلم في الذكاء الاصطناعي لخدماتها السحابية وللخوادم وأنواع الرقائق الأساسية للشبكات.
وكانت شركة هواوي قد أشارت في شهر فبراير الماضي إلى كيف أن رقائق هوائي الجيل التالي لمحطات الجيل الخامس قد وضعها في مرتبة "أعلى أداء في الصناعة". وربما لن يكون بمستطاع الشركة شحن مثل هذه المحطات بعد أن ينفذ رصيدها الراهن من الرقائق.
ووفقا لرأي أحد الخبراء فإن هاي سيلكون لن يستطيع الاستمرار في ابتكاراته حتى يتم العثور على بدائل عبر التطوير المحلي بالمشاركة والتعاون مع الشركات المحلية، وهو أمر قد يستغرق سنين حتى يصبح جاهزا.
وحسب تقديره فإن مخزون هواوي من الرقائق رفيعة المستوى ربما ينفذ خلال 12 إلى 18 شهرا كحد أقصى.
لا يمكن تصنيع الرقائق ذات المستويات الرفيعة بدون تجهيزات أمريكية من شركات مثل شركة المواد التطبيقية وكيه إل إيه وشركة لام للبحوث. وحتى في رقائق السيلكون الأولية فإن استبدال شركة تي إس إم سي أمر مستحيل بسبب أن هذا المُصنع التايواني هو الشركة الوحيدة القادرة على تصنيع أشباه الموصلات مستخدمة تكنولوجيا متقدمة تضمن الأداء العالي.
كما أن إقامة شركة لا يدخل بها أي مكون أمريكي هو كما تذكر "بلومبرج" مجرد حلم من الأحلام لأن هذا يتطلب الحصول على ماكينات من الشركة الهولندية إيه إس إم إل كشرط مسبق من أجل تصنيع رقائق الجيل التالي.
ومع هذا فماكينات إيه إس إم إل بدورها تحتاج إلى تكنولوجيا أمريكية من شركات مثل لومينتوم. والبديل الصيني الأفضل ربما يكون شركة شنغهاي لمعدات الإلكترونيات الدقيقة، ولكن مرة أخرى تعد التكنولوجيا التي تستند إليها شركة شنغهاي متأخرة بعدة أجيال وراء تكنولوجيا الشركة الهولندية.
كل هذا حتى قبل أن نتحدث عن عدم اليقين حول مداخل هواوي للبرامج التي تطورها شركات مثل كادنس لتصميم النظم وسينوبسس.
والشركتان تقدمان أدوات من أجل أتمتة التصميم الإلكتروني وهي أدوات يعتمد عليها مهندسي هاي سيلكون لكي يرسموا مخططاتهم لمعالجات الجيل التالي.
وكما صرح مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الدولية ومنع الانتشار النووي كريستوفر ريد في نهاية الشهر الماضي "إذا ما أراد المرء العمل في مجال أفضل الرقائق الإلكترونية، الرقائق التي لديها أقوى قوة حسابية في أصغر مساحة ممكنة، فعليه استخدام الأدوات ذات التصميم الأمريكي الآن بسبب أننا لدينا ميزة نسبية مسيطرة في هذا المجال".
وفي المدى الطويل ترى "بلومبرج" أن عدم الإمداد المنتظم بالرقائق سوف يعمل على زعزعة الطموح الكبير في تحدي الصين للولايات المتحدة على التفوق والهيمنة التكنولوجية العالمية.
وفي المدى المنظور فإن القيود الأمريكية الأخيرة تهدد بكبح خطة الصين بشأن تعاقدات على مشروعات شبكات الجيل الخامس تصل إلى 500 مليار دولار وهو ما يعد جزءا أساسيا في رؤية بكين للمدى الأطول.
ومن المهم لفت الأنظار إلى أن هواوي تقع في مركز مبادرة بكين الجديدة للبنية التحتية التي يبلغ حجم تمويلها 1.4 تريليون دولار من أجل حيازة القيادة في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس، ومن غير المؤكد الآن أنها يمكنها حتى تنفيذ العقود التي يزيد عددها على التسعين التي كسبتها حتى الآن لبناء شبكات للمشغلين المحليين مثل شركة الصين للمحمول المحدودة، ولمشغلين آخرين في مختلف أنحاء العال.
وهذا لأن رقائق هاي سيلكون تعد أساسية في منتجات تنتظر الشحن، وعدم اليقين لا يتعلق فقط بقدرة هواوي على تنفيذ عقودها، ولكن أيضا حول مدى قدرتها على صيانة شبكات عملاءها بعد إقامة هذه الشبكات، وهو أمر قد يقلق العملاء المستقبليين المحتملين للشركة.
وإذا كانت أهداف الولايات المتحدة كما ذكرنا هي زعزعة بل وتقويض حلم الصين في التفوق والهيمنة التكنولوجية، فإن المسؤولين الصينيين ما زالوا يأملون في التوصل إلى حل بديل، وهم يكررون المقولة التي يستخدمونها منذ عام مضى وهو أن العمل بدون التكنولوجيا الأمريكية أمر ليس مستحيلا.
وحسب اعتقادهم فإنه ما زال لديهم وقت، ووفقا لتقديرهم فإن "إعادة تصميم هندسة الرقائق وتوريدها يستغرق وقتا، ولكنه أمر من الممكن عمله". وهكذا فالإجراءات الأمريكية ضد هواوي وغيرها من شركات التكنولوجيا الصينية تعد مجرد معركة في حرب شاملة تتعلق بالمستقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة