خبير فرنسي: قمة أبيك 2025 تؤكد انتقال قيادة التجارة العالمية من واشنطن إلى بكين
أكد خبير اقتصادي فرنسي أن قمة أبيك لهذا العام كشفت انقلابا واضحا في أدوار القوى الكبرى داخل النظام التجاري الدولي، بعد أن استحوذت الصين على مكانة الولايات المتحدة.
وقال الدكتور تييري كلينر، الخبير الاقتصادي الفرنسي والباحث في العلاقات الدولية بجامعة بروكسل الحرة، لـ"العين الإخبارية"، إن غياب أي إشارة إلى منظمة التجارة العالمية أو النظام التجاري المتعدد الأطراف في البيان الختامي لقمة أبيك 2025، للمرة الأولى منذ سنوات، ليس مجرد صدفة، بل يمثل تحولاً حقيقياً في مواقف الولايات المتحدة، التي كانت تاريخياً "عرّابة" التجارة الحرة، بينما تتقدم الصين لتملأ هذا الفراغ وتعرض نفسها كمدافع عن قواعد السوق العالمية.
وأضاف الخبير المتخصص في سياسات الصين التجارية وتوازن القوى بين واشنطن وبكين داخل المنظمات الاقتصادية، أن قمة أبيك 2025 لم تكن مجرد اجتماعات اقتصادية عادية، بل كانت ساحة لصراع النفوذ بين الصين والولايات المتحدة، موضحاً أن المشهد الرمزي لخروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل استكمال فعاليات القمة، مقابل توسع حضور الرئيس الصيني شي جين بينغ، يعكس انتقالاً تدريجياً لقيادة الإقليم باتجاه بكين.
وإلى نص الحوار:
قمة أبيك لهذا العام صدرت بتصريحات واسعة عن التجارة، لكنها خلت لأول مرة منذ سنوات من أي إشارة إلى الدفاع عن النظام التجاري المتعدد الأطراف أو منظمة التجارة العالمية. كيف ترى ذلك؟
غياب الإشارة إلى منظمة التجارة العالمية ليس تفصيلاً تقنياً، بل هو رسالة سياسية قوية. فمنذ تأسيس أبيك، كانت الولايات المتحدة الراعي الأكبر لفكرة التجارة الحرة العابرة للحدود، لكن اليوم نرى العكس تماماً؛ واشنطن تدفع باتجاه صفقات ثنائية وضمانات أحادية، بينما تقدم الصين نفسها كمحامية للنظام التجاري العالمي.
بمعنى آخر، النظام الذي بنته الولايات المتحدة خلال نصف قرن، تتولى بكين اليوم الدفاع عنه لاستثمار الفراغ السياسي الأمريكي.
كانت أبيك تاريخياً منصة للترويج لفكرة “الاقتصاد المفتوح بلا حواجز”، لكن الإعلان الجديد يعكس انقساماً عميقاً: فهناك دول تعتمد السوق الأمريكية ولا تريد تحدي ترامب، وأخرى تخشى الهيمنة الصينية لكنها تحتاج التجارة معها. لذلك، لم يُذكر النظام التجاري المتعدد الأطراف لأن واشنطن ببساطة لم تعد تقبل أن تقيّد نفسها بقواعد منظمة التجارة العالمية.
هناك من يرى أن قمة هذا العام كانت مسرحاً لسباق نفوذ: ترامب غادر سريعاً، وشي جين بينغ استقر وظهر كقائد للمشهد. هل فعلاً تغيّر ميزان القيادة الاقتصادية في المحيط الهادئ؟
بشكل واضح: نعم. الصورة الإعلامية ليست تفصيلاً. طائرة ترامب تُقلع، وموكب شي يدخل. هذا ليس مجرد بروتوكول، بل رسالة رمزية بأن الولايات المتحدة لم تعد القائد الدائم للمشهد الاقتصادي الآسيوي.
واشنطن اليوم تركز على الصفقات التي تحقق مكاسب فورية للداخل الأمريكي، بينما تبني بكين شبكة طويلة الأمد تشمل طرق الحرير الجديدة، ومناطق التجارة الحرة، والبنى التحتية، والموانئ، واتفاقات التعاون مع دول الآسيان.
هذا النوع من الدبلوماسية الاقتصادية لا يختفي بتغيّر الرؤساء أو الدورات الانتخابية، لأن الصين تبني اعتماداً اقتصادياً يربط الدول بها، بحيث يصبح الانفصال عنها شبه مستحيل دون ثمن اقتصادي باهظ.
البعض يتهم الصين باستغلال انسحاب الولايات المتحدة لتقديم نفسها كمدافع عن التجارة الحرة، بينما تمارس سياسات حمائية داخلية. هل هذا التناقض يؤثر في صورتها داخل أبيك؟
تماماً. الجميع يعلم أن الصين ليست "من أنصار التجارة الحرة" الكاملة. فهي داخل حدودها تحمي قطاعات كاملة، وتستخدم التصدير أحياناً كسلاح سياسي، وتفرض قيوداً على المعادن النادرة كلما نشأ خلاف مع اليابان أو أوروبا.
لكن ما يجري داخل أبيك أشبه بلعبة كبرى: واشنطن تقول "أمريكا أولاً"، فترد الصين بـ"العالم أولاً"... حتى وإن كان الواقع معكوساً.
الدول الآسيوية حائرة؛ فهي تحتاج السوق الصينية ومشروعات البنية التحتية، لكنها تخشى الهيمنة. لذلك نراها لا تصفق لبكين ولا تتحدى واشنطن، بل تحاول البقاء في منطقة وسطى تحفظ مصالحها.
ما المكسب الحقيقي الذي تخرج به الصين من هذه القمة؟
الصين ربحت أهم شيء: الوقت. فكل قمة لا يظهر فيها توافق أمريكي–آسيوي تُعد فرصة لبكين كي تمد شبكتها التجارية أكثر. وأكبر مثال على ذلك الاتفاق المعزز مع دول الآسيان، وهو اتفاق تاريخي يجعل 650 مليون نسمة في جنوب شرق آسيا أقرب اقتصادياً إلى الصين من الولايات المتحدة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTYxIA==
جزيرة ام اند امز