الخلافات تربك حكومة لبنان والخوف من "الفراغ" سر البقاء
وفق مراقبين فإن الحكومة التي وعدت بمحاربة الفساد، وإنهاء المحاصصة، والإصلاح، فشلت في الوفاء بأي منها حتى الآن
تظهر الخلافات المستمرة بين مكونات الحكومة اللبنانية اختلافا وإرباكا واضحا في التعامل مع الأزمات المتراكمة التي تعاني منها البلاد والناتجة جميعها عن الأزمة المالية والاقتصادية.
الانتقادات لحكومة حسان دياب، ومن بينها أنها "مخيبة للآمال"، لم تعد من معارضيها فقط بل اتضحت جليا بين مكوناتها في الأسابيع الماضية تجاه مقاربة الأفرقاء (حزب الله والتيار الحر) للتعيينات المالية والقضائية وهو ما حال دون إقرارها، وكذلك عدم حسم ملف عودة المغتربين في ظل وباء كورونا.
وهدد كل من رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية للتهديد بالانسحاب من الحكومة، حيث صعّد بري في اليومين الأخيرين بوجه مجلس الوزراء، متّهما إياه بعدم القيام بواجباته.
ودعا بري الحكومة بـ"ألا تبقى في موقع المتفرج أو الشاهد على ما يجري من فلتان مالي، والادعاء بالحرص على عدم تجويع الناس".
ورغم اتفاق شريحة لبنانية كبيرة على فشل أداء الحكومة إلا أنه، وفق مراقبين، لا يزالون جميعهم يتريثون في الحث نحو إسقاطها لإدراكهم أن الواقع اللبناني اليوم لا يحتمل خطوة كهذه تدفع البلاد نحو الفراغ المجهول.
وأشاروا إلى أن التصعيد غير المسبوق بين رئيسي السلطة التنفيذية والتشريعية لا يحمل أي خلفية تهدف لإسقاط الحكومة، وإنما للحث على القيام بخطوات واتخاذ قرارات حاسمة تساهم في استباق الانهيار التام.
غير أنهم أكدوا، في الوقت ذاته، أن الناس لن تقوى على تحمل هذا الوضع طويلا وقد يدفعهم لاستئناف انتفاضتهم مجددا، لأنه لا حل إلا بتشكيل حكومة من المستقلين بعيدا عن هذه الطبقة السياسية.
والثلاثاء الماضي، عادت التحركات الشعبية للشارع، حيث ارتكزت الدعوات للتحرك من الوضع المعيشي والاقتصادي الصعب في غياب أي إجراءات من الحكومة التي مرّ على تشكيلها 100 يوم.
هذه الخلافات حول عمل الحكومة لا تقتصر على مكوناتها، حيث إن الأفرقاء المعارضين لا ينكفون بدورهم عن انتقادها.
وشهدت الأيام الأخيرة لقاءات فيما بينهم، ولا سيما "الحزب الاشتراكي" و"حزب القوات اللبنانية"، إضافة إلى تيار المستقبل الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
لكن ورغم ذلك لا يزالون جميعهم يتريثون في الحث نحو إسقاطها لإدراكهم أن الواقع اللبناني اليوم لا يحتمل خطوة كهذه، وهو ما عبّر عنه اليوم رئيس "القوات"، سمير جعجع، في حديث له، بالقول إن الدفع نحو إسقاط الحكومة ليس مطروحا اليوم.
وجدد ما سبق أن قاله بأنه طالما ما زال الثلاثي غير المرح (أي حزب الله والتيار الوطني الحر وبري)، مسيطر على الحكومة فلن تتحقق أي خطوة نحو الإنقاذ.
هذا الموقف عبّر عنه أيضا "الحزب الاشتراكي" على لسان النائب في كتلته بلال عبدالله، في حديث لـ"العين الإخبارية": "مقتنعون بأنه لا بديل في الوقت الحالي عن هذه الحكومة".
قبل أن يستدرك: "لكن قناعتنا هذه تنسحب أيضا على أنه لن تتمكن من القيام بأي إصلاحات إذا بقيت الوصاية عليها من قبل الأفرقاء أنفسهم الذين كانوا مسيطرين على الحكومة السابقة، وتحديدا حزب الله والتيار الوطني الحر عبر رئيسه النائب جبران باسيل الذي ظهر جليا في الجلسات التشريعية الأخيرة، وكأنه يقوم بدور المرشد لمجلس الوزراء".
وأضاف عبدالله: "إذا بقي الوضع على ما هو عليه فلن نصل إلى مكان، وإذا كانوا غير قادرين على تحقيق ما وعدوا به فليعلنوا ذلك صراحة".
وأشار إلى أن "الفريق الذي يسيطر على الحكومة اليوم كان يتهمنا ويتهم غيره بمنعه من العمل، لكن الواقع اليوم وخلافاتهم على المحاصصة يؤكدان أنهم لطالما كانوا المسؤولين عن التعطيل".
في موازاة ذلك، يأتي كذلك الانقسام في مقاربة الوضع النقدي بين السلطة السياسية و"السلطة المالية" المتمثلة بحاكم مصرف لبنان، والذي يعكس بدوره إرباكا واضحا في مقاربة السلطة الأزمة الاقتصادية والمالية وفي وضع حد للفوضى في سعر صرف الدولار.
وفي هذا الإطار، وجّه رئيس الحكومة حسان دياب، انتقادات واضحة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، متّهما إياه بعدم التنسيق مع الحكومة في إصدار التعميمات الأخيرة المرتبطة بسحب ودائع الدولار بالليرة اللبنانية، بحسب سعر صرف السوق، وهو ما عكس ارتفاعا غير مسبوق بسعر الصرف في السوق السوداء لدى الصرافين.
وانتقد دياب بشكل واضح بعد الجلسة التشريعية سلامة لعدم تنسيقه مع الحكومة في التعميمات التي يصدرها، معلنا أنه سيكون له كلام حاسم اليوم الجمعة، في هذا الإطار خلال جلسة الحكومة.
وأمام كل ما يحدث، يرى مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية، سامي نادر أن الأطراف الحاكمة عادت إلى تبادل الاتهامات فيما بينها، من دون أن تحقق أي خطوة باتجاه الإصلاح بعد مئة يوم على تشكيل الحكومة.
وقال نادر لـ"العين الإخبارية": منذ تشكيل مجلس الوزراء ويظهر واضحا أن منطق المحاصصة لم يتغيّر، وخير دليل على ذلك التعطيل المستمر، وها هم اليوم يحاولون تحميل الأزمة لحاكم مصرف لبنان بمفرده بتوجيه سهام الحملة عليه لامتصاص غضب الشارع والبقاء على دياب وحكومته.
ورجّح نادر أن يبقى الوضع على ما هو عليه في هذه المرحلة في ظل الإرباك الذي تعيشه الأطراف الحاكمة إلى أن يحدث أي تغيير ما داخل لبنان أو من الخارج.
واعتبر، في الوقت ذاته، أن الناس لن تقوى على تحمل هذا الوضع طويلا، وستعود لتستأنف انتفاضتها مجددا، لأنه لا حل إلا بتشكيل حكومة من المستقلين بعيدا عن هذه الطبقة السياسية.
ويأتي ذلك في ظل تفاقم الأزمة المعيشية التي يعاني منها اللبنانيون، مع ارتفاع سعر صرف الدولار الذي ينعكس على ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى درجة غير مسبوقة.
الأزمة أدّت إلى عودة اللبنانيين إلى الشارع في الأيام الماضية، رغم إجراءات التعبئة العامة المفروضة لمواجهة كورونا.
وتصدر في الأيام الأخيرة، دعوات من مجموعات عدة شاركت في التحركات الشعبية في حراك 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للعودة إلى الشارع تحت المطالب المعيشية نفسها ورفضا للحكومة التي لم تقم بأي خطوة إصلاحية بعد ثلاثة أشهر على تشكيلها.
وشهد لبنان احتجاجات بدأت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للمطالبة بتشكيل حكومة إنقاذ من التكنوقراط وإجراء انتخابات نيابية مبكرة وخفض سن الاقتراع إلى 18 عاما، ومعالجة الأوضاع الاقتصادية واسترداد الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين.
وعلى إثرها، استقال رئيس الحكومة سعد الحريري وحكومته في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتعثر تشكيل حكومة أخرى جديدة لنحو شهرين.
وكلف الرئيس اللبناني ميشال عون منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، حسان دياب بتشكيل حكومة جديدة وسط رفض شعبي لها كونهم طالبوا بالبعد عن المحاصصة، وأن تكون الكفاءة أساسا للاختيار، فيما جاءت كلها من لون واحد (حزب الله وحلفائه).
aXA6IDMuMTQ0LjgyLjEyOCA= جزيرة ام اند امز