مضى عام على كلمة معالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي
مضى عام على كلمة معالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي، الذي أعلن فيه أن الإمارات والسعودية ومصر عاقدو العزم على إعادة بناء النظام العربي الإقليمي.
وأكد الوزير ضرورة إعادة صياغة النظام العربي على أسس تختلف عما كانت عليه الأحوال في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، فالنظام العربي الجديد سيكون مبنياً على الاحترام المتبادل وعلى احترام السيادة الوطنية لكل الدول العربية لا على تغيير الحدود الوطنية لهذه الدول.
وسيكون النظام، حسب رؤية الوزير، قائماً على المشتركات الثقافية والدينية والاقتصادية والسياسية لخلق بيئة أفضل، للتعاون بين أعضاء النظام العربي ولتوسيع آفاق التعاون لمكافحة الإرهاب والتطرف.
ولعل الرؤية الجديدة النابعة من ضرورة التصدي للفوضى العارمة، التي تعتري النظام العربي الإقليمي. كما نرى كثيراً من الدول آلت إلى دول فاشلة أو في طريقها إلى ذلك، فالصومال مغيب منذ أمد، واليمن في حرب ضروس، وسوريا تتقاسمها قوى متناحرة، ولا ضوء في آخر نفق الحرب الأهلية، وليبيا مشلولة، وتتحكم فيها مليشيات متطرفة، وشرعية الحكومة متأرجحة، أما لبنان فكعادته رهين المحبسين بين طوائفه السياسية والقوى الإقليمية الطامعة.
أما على المستوى الإقليمي فإن النظام العربي عانى الأمرين، فمنذ اتفاق كامب ديفيد، وانعزال مصر عن العمل العربي المشترك، ثم حربي صدام ضد إيران والكويت، وما لحقهما من تبعات وانقسامات، ليس بين الدول العربية فحسب، بل بين الشعوب العربية، هز اللبنات الأساسية لبنية النظام العربي الإقليمي وأسقط مفهوم الأمن العربي المشترك. وقد أدى هذا الشرخ العظيم إلى نفاذ الدول الأجنبية والإقليمية إلى جسد العالم العربي، الذي ساعد على اهترائه.
وقد استشعرت إيران بتوجس بعد حربها مع العراق، وبسبب توجهها الثوري لجهة تصدير نظامها إلى الجوار العربي، وكذلك للتأثير على مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل عدويها الدولي والإقليمي، بدأت إيران بالتمدد إلى العالم العربي. وقد أخذ هذه التمدد أساليب متعددة منها: دعم مليشيات مثل حزب الله والجهاد الإسلامي الفلسطيني وأخيراً الحوثي؛ تبني القضايا العربية مثل القضية الفلسطينية، وقضية الأقليات الشيعية العربية؛ حرب إعلامية وتدثر برداء أيديولوجي لمناصرة المظلومين والمضطهدين في وجه الاستكبار العالمي والمحلي.
وقد بلغ التوتر مبلغه وخاصة بعد أن شعرت دول مجلس التعاون بأن التدخلات الإيرانية قد جاوزت المدى وأن على دول الخليج أن توقف هذه الهجمة والتغول الإيراني على الدول العربية، وحيث إن الدول الخليجية تتمتع بتماسك أكبر من أية مجموعة عربية أخرى، وإمكاناتها نسبياً الأفضل من بقية شقيقاتها، علاوة على علاقات دبلوماسية مميزة مع العواصم العالمية، فقد هرعت إلى منع هذا التمدد الإيراني في الخليج بالوقوف مع حكومة البحرين أو الاستجابة إلى الحكومة الشرعية في اليمن والتدخل العسكري المباشر، الذي رجح كفة الشرعية على التمرد الحوثي.
وقد وجد العالم العربي نفسه في محنة كبيرة بسبب التراكمات والإخفاقات على مدى ستة عقود ونيف، فقد وجدت بعض الأنظمة العربية نفسها أمام اختبار حقيقي أدى إلى سقوطها سقوطاً مدوياً ومفاجئاً.
الدول العربية تتداخل مصائرها السياسية بحكم الجغرافيا والتاريخ والثقافة المشتركة، ليس من واقع أيديولوجي، ولكن من حسابات واقعية تكشفت أكثر في سياق الحركات السياسية في هذا العقد من الزمن، وفي هذا المضمار فإن بروز تيار الإسلام السياسي وزعزعته للاستقرار السياسي في المنطقة جعل تضامن المنطقة العربية ضرورة ملحة.
وفي السياق الدولي، يبدو أن إدراك الدول الخليجية بمدى تخبط سياسات الولايات المتحدة بعد حربها في العراق، وردة الفعل السلبية من قبل الناخب الأميركي ومجيء إدارة جديدة همها الأكبر تصحيح السياسات الخاطئة للإدارة السابقة، دفع بهذه الدول لتشمر عن سواعدها للاعتماد على قدراتها الذاتية مع الدول العربية الأخرى، فإعلان الرئيس أوباما عن التحول إلى الشرق لإعادة التوازن في منطقة المحيط الهادي، أرسل إشارات فهمت في الخليج على أنها بداية النهاية للدور الأميركي في المنطقة.
ولعل الاتفاق النووي الأخير مع إيران، والتي تمت بعيداً عن أعين الدول الخليجية عززت من تشكك هذه الدول بمدى التزام واشنطن بحلفائها في المنطقة. كما أن ترك الحبل على الغارب في سوريا لم يطمئن أي من أصدقاء واشنطن في المنطقة على نواياها أو إرادتها السياسية. وليس هناك دليل أبلغ على عجز واشنطن أنها لا تستطع، أو لا تريد، إلى الآن أن تجد حلاً لأطول نزاع في المنطقة، وهو الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.
وقد قيل قديماً ما حك جلدك مثل ظفرك!
نقلا عن / البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة