الخليج وإيران.. «إشارات إيجابية» بين سطور التضامن والعزاء؟
تضامن وعزاء وحضور خليجي واسع في عزاء الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، فهل الخليج وإيران أمام مرحلة جديدة من العلاقات؟
وأثار الرحيل المفاجئ للرئيس الإيراني ووزير خارجيته الأسبوع الماضي سيلا من رسائل التضامن والتعازي من دول الخليح، وسط سياق سياسي إقليمي ودولي مضطرب في ضوء تداعيات الحرب بغزة.
ودفعت تلك الأجواء خبراء عرب، للتأكيد، في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، على ضرورة البناء على "الإشارات الإيجابية" الصادرة من دول الخليج، عقب وفاة الرئيس الإيراني ومرافقيه بحادث تحطم المروحية.
وأكدوا ضرورة "استثمار طهران لهذه الفرصة الكبيرة جدا في هذا التوقيت"، من أجل تعزيز العلاقات بين الجانبين، بما يسهم في دعم أمن واستقرار المنطقة.
بيد أن قسما من هؤلاء الخبراء دعا في الوقت ذاته، إلى "عدم القفز إلى أي استنتاجات سياسية في المرحلة الحالية"، مطالبين طهرن بـ"الانضباط بواقع الإقليم، والكف عن استخدام الوكلاء في المنطقة"، وفقا لهم.
"فرصة كبيرة جدا"
وكان الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات كتب عبر حسابه الرسمي على منصة إكس (تويتر سابقا) قائلا: "إشارات إيجابية بين دول الخليج وإيران تعكس رغبة مشتركة لتعزيز العلاقات وخفض التصعيد بالمنطقة، بدءا من الحضور الخليجي الواسع في جنازة الرئيس الراحل إلى التصريحات البناءة المتبادلة بشأن سياسة حُسن الجوار".
وأضاف: "فرصة قد تكون تاريخيّة يجب البناء عليها بما يخدم استقرار وازدهار المنطقة".
وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس)، اليوم الجمعة، أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أعرب في اتصال هاتفي مع رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة في إيران محمد مخبر عن تعازيه في وفاة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.
تعقيبا على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، في حديث لـ"العين الإخبارية": "لدينا فرصة كبيرة جدا، ونأمل من القيادة الإيرانية أن تستثمرها، وتواصل البناء على ما تم التوصل إليه من تفاهمات".
وأوضح آل عاتي، أن "مستويات الوفود الرفيعة من الخليج لإيران لتقديم العزاء في وفاة الرئيس الإيراني ومرافقيه، تؤكد أن السعودية والخليج تبعث رسالة واضحة لطهران مضمونها التمسك بتحسين العلاقات، ومد مزيد من جسور التواصل، وتجنب الخلافات واستمرار التفاهمات، والبناء على ما تم من نجاح في الاتفاق الموقع بين الرياض وطهران في مارس/آذار 2023".
وأضاف المحلل السياسي السعودي، أن الخليج يبعث رسائل مباشرة لإيران، وكذلك السعودية، بشأن التمسك بدفع العلاقات لمستويات أرحب وأوسع، وحاجة المنطقة للسلام والاستقرار.
ونوه آل عاتي إلى أن "هناك آمالا عريضة من الخليج تجاه طهران بأن تستثمر اللحظة التي تمر بها المنطقة، لمواصلة مزيد من السلام، والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية، وأن تقتنع بأن الحوار الوسيلة المثلى لحل الخلافات، واتجاه العلاقات إلى مراحل أكثر انفراجة وثقة وتعاون في كافة المجالات".
الخيار إيراني؟
وذهب الكاتب والمحلل السياسي البحريني، عبدالله جنيد، إلى أن "الجغرافيا السياسية والتاريخية تفرضان تعزيز المسارات الدبلوماسية والعلاقات الطبيعية، وهناك قواسم مشتركة كثيرة بين دول الإقليم، وجميعها يتطلع لعودة العلاقات الثنائية والإقليمية إلى طبيعتها".
لكنه قال أيضا، "يبقى الخيار في يد إيران، لتقرر الانخراط في ذلك الاتجاه من عدمه".
ورأى المحلل السياسي البحريني، في الوقت ذاته، أن مشاركة دول الخليج في تقديم واجب العزاء في وفاة الرئيس الإيراني لا يجب قراءتها "خارج إطار الأعراف الدبلوماسية والإنسانية الطبيعية وحقوق الجوار".
وأردف جنيد، أن "دول الخليج ومن ضمنها البحرين تعتمد الدبلوماسية في إدارة العلاقات البينية، وفي احتواء الأزمات، لذلك كان من الطبيعي جدا المشاركة في مواساة الشعب الإيراني في مصابه الوطني حتى وإن كانت هناك اختلافات مع طهران".
إشارات إيجابية
بدوره، قال الدكتور بشير عبدالفتاح، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن المشاركة الخليجية اللافتة في جنازة الرئيس الإيراني "تعد خطوة جديدة على طريق تمهيد السبيل للتقارب، واستعادة العلاقات ما بين الجانبين"، وفقا له.
وقال عبدالفتاح، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "دول الخليج بمؤازرتها إيران في مصابها الأليم تبعث إشارات إيجابية؛ لإمكانية حدوث التقارب بين الجانبين وتعزيز العلاقات المشتركة".
وقبل الحضور الخليجي والتضامن الواسع مع إيران في مصابها، كانت هناك مساع للتقارب في مارس/آذار 2023 بعد توسط الصين، واستعادة السعودية وإيران العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات مجددا.
إضافة إلى ذلك، فإن إعلان القمة العربية بالبحرين مؤخرا أكد أنه لا مشكلات في العلاقات مع طهران، والتزام دول الخليج الحياد في مسألة التصعيد الإيراني الإسرائيلي، وفقا للخبير السياسي المصري.
ويقول عبدالفتاح إن "السوابق والإجراءات الإيجابية قربت المسافات وعززت من التقارب بين الجانبين، وأضافت بعدا جديدا جيدا في العلاقات الخليجية البحرينية".
لا استنتاجات
بدوره، يقول السفير محمد العرابي، وزير الخارجية المصري الأسبق: "نحن في إطار العلاقات الإنسانية، ومن السابق لأوانه القفز على أي استنتاجات سياسية في المرحلة الحالية".
وأعرب العرابي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، عن أمنيته أن تتوطد العلاقات ببن إيران ودول الخليج، مؤكدا أن "على طهران الانضباط بواقع الإقليم، والكف عن استخدام الوكلاء في المنطقة".
وعقب وفاة رئيسي، أكدت دول مجلس التعاون الخليجي في وقت سابق، تضامنها مع حكومة وشعب إيران في الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد خاصة مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي، ومرافقيه.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس" أن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي قدم واجب العزاء، إلى سفير طهران لدى السعودية الدكتور علي رضا عنايتي، وذلك خلال زيارته لمقر السفارة بالرياض.
وأكد الأمين العام خلال تقديمه لواجب العزاء تضامن ووقوف مجلس التعاون مع حكومة وشعب إيران في هذه الظروف العصيبة، مجدداً لعائلات الضحايا خالص العزاء وعميق المواساة في هذا المصاب الجلل.
وهو الأمر ذاته الذي أكده المرشد الإيراني علي خامنئي لدى استقباله أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مشيرا إلى أنه "لا خيار أمام دول المنطقة سوى التآزر والوئام".