بعد إعادة تفعيل "مجلس التعاون الخليجي" وتجاوز الخلافات التي كانت قائمة، بدأ المجلس وبقيادة سعودية بتحويل عناصر القوة لديه من كامنة إلى فاعلة، وفق منهج متكامل، واستراتيجية شاملة، وليس قرارات لحظية، بل خطط ممتدة في المستقبل.
هذا التوجّه الخليجي يأتي في سياق إعادة تشكّل التوازنات الدولية والإقليمية سياسياً واقتصادياً، والتطورات المستمرة في بناء التحالفات وترتيب الأولويات.
في منطقة الشرق الأوسط رأينا تسويات ومصالحات واتفاقيات تهدف لضمان مصالح جميع القوى وتحقق أهدافاً أكبر وأولويات أهم.
في مبادرة مهمة عقدت مؤخراً في مدينة جدة السعودية قمة نوعية هي الأولى بين دول الخليج العربي ودول آسيا الوسطى بهدف توثيق التعاون والبحث عن الفرص المتبادلة بين التكتلين الإقليميين المهمين على المستوى الدولي، واستغلال ما لديهما من إمكانات كبيرة، وآفاق رحبة للتعاون والتطوير في المستقبل.
يتزايد الاهتمام والتنافس الإقليمي والدولي بدول آسيا الوسطى الخمس "أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قرغيزستان، كازاخستان"؛ وذلك نظراً لموقعها وأهميتها الجيواستراتيجية، إذْ تقع هذه الدول في قلب آسيا، وعلى حدود مشتركة مع دول تعتبر لاعباً رئيساً على الساحة السياسية والاقتصادية الدولية كالصين وروسيا والهند، وأيضاً لما تمتلكه هذه الدول من ثروات طبيعية تؤهلها لتحقيق قفزات تنموية كبرى، إذْ تتمتع أغلب هذه الدول بوفرة في مصادر الطاقة، النفط والغاز، إضافة إلى مجموعة كبيرة من المصادر الأخرى مثل المعادن والزراعة، وتعمل بشكل أكبر لزيادة مواردها خاصة في القطاع الصناعي، وقد حققت خلال العقود الماضية بعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي نمواً جيداً في اقتصاداتها، كما أنه لديه رؤى طموحة لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط.
هناك اعتبارات تاريخية وجيواستراتيجية واقتصادية تستوجب علاقات قوية وشراكات استراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول وسط آسيا أهمها أنها تتكئ على الكثير من الإرث المشترك الضارب بأطنابه في التاريخ والثقافة العريقة الممتدة في الماضي، والموقع الجغرافي حيث تعتبر هذه الدول امتداداً طبيعياً لدول الخليج.
أمّا الجانب الاقتصادي فهذه الدول في وسط آسيا تشهد أهمية كبرى على الساحة الدولية باعتبار أن معظم النمو الاقتصادي يأتي من هذه المنطقة حالياً، كما أنها مصدر مهم للطاقة مما يؤهلها للقيام بدور مؤثر في أمن الطاقة العالمي بالتعاون مع دول الخليج العربي.
قمة جدة تعكس انفتاح دول مجلس التعاون الخليجي على الشراكات مع التكتلات الفاعلة في المجتمع الدولي؛ بهدف تعزيز مكانة المجلس عالمياً، كما أنها تعتبر مبادرة مهمة في اكتشاف الفرص والتنسيق بين تكتلين لهما أثر كبير في المنطقة، ويشهدان نمواً في دورهما الإقليمي على المستوى السياسي أو الاقتصادي في ظل وجود مشتركات كثيرة مما يجعل العمل المشترك يولد فرصاً كبيرة لتكتلي دول الخليج ودول آسيا الوسطى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة