كصب الزيت على نار مشتعلة، حركت الحرب الحالية في غزة، أسهم اليمين المتطرف في أوروبا، نحو مزيد من الصعود، وفاقمت مشكلة القارة العجوز.
حتى هجوم حركة حماس على مستوطنات قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول، كان اليمين المتطرف يكوّن زخما معقولا ومتزايدا في أكثر من بلد أوروبي، وكانت الحرب بمثابة نقطة تسخين جديدة لمسار الصعود.
وأول نتيجة مباشرة لهذا الزخم المتزايد، ظهرت في هولندا، حيث فاز حزب الحرية اليميني المتطرف والمعادي للمهاجرين، بأكثرية الأصوات في الانتخابات التشريعية.
حزب "الحرية"، الذي يتزعمه اليميني المتطرف غيرت فيلدرز، فاز بـ37 مقعدا في البرلمان، أي أكثر من ضعف حصته في الانتخابات السابقة، متفوقا على معارضيه، وفق نتائج شبه نهائية.
هذه النتيجة بمثابة زلزال قوي في قلب أوروبا، بعد أكثر من عام من صعود تحالف يميني متطرف بقيادة جورجيا ميلوني، إلى سدة الحكم في إيطاليا، وتنامي تهديد أحزاب من نفس التيار في النمسا وألمانيا وفرنسا.
فرحة واستغلال
وأثار فوز حزب "الحرية" الهولندي بأكثرية المقاعد والأصوات فرحة عارمة في أوساط اليمين المتطرف، إذ سارع رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان إلى الترحيب بـ"رياح التغيير"، عقب صدور النتائج بعد إغلاق مراكز الاقتراع.
فيما هنأت زعيمة حزب "التجمّع الوطني" الفرنسي مارين لوبن، فيلدرز وحزبه على "أدائهما المذهل" في الانتخابات.
وهذه الأحزاب تتشارك المواقف والرؤى المعادية للمهاجرين، وخاصة المنحدرين من الدول العربية والإسلامية، وخط متشكك (على الأقل) في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وسياسة أكثر انعزالا.
لذلك، لم يكن مستغربا أن حدثا مثل هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة، سيصب في مصلحة اليمين المتطرف الذي لم يضع الفرصة وسارع، لإشعال خطاب معادٍ للمهاجرين، وخاصة المسلمين، لدفع صعوده مزيدا من الزخم، وفق مراقبين.
أول من سارع لاستغلال الهجوم، كان أبرز الناشطين في أوروبا ضد الهجرة، رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي قال على هامش القمة الأوروبية قبل أسابيع "آمل أن يرى المزيد والمزيد من الناس هنا في بروكسل أن هناك صلة واضحة للغاية بين الأعمال الإرهابية والهجرة".
وأضاف أن "أولئك الذين يدعمون الهجرة يدعمون الإرهاب أيضًا"، متابعا "إذا أصبحت إسرائيل ومصر غير مستقرتين، فإن تدفقات الهجرة من هذا الاتجاه سوف تأتي إلى أوروبا على الفور".
وفي برلين، قال الرئيس الفخري لحزب البديل من أجل ألمانيا "يمين متطرف"، ألكسندر جاولاند، بعد هجوم حماس، أمام البوندستاغ (البرلمان) الألماني إن "الهجوم لم يكن يستهدف فقط الدولة اليهودية، لقد كان موجها ضدنا أيضًا."
وأضاف "من خلال وقوفنا إلى جانب إسرائيل، فإننا ندافع أيضًا عن أسلوب حياتنا [الغربي]".
دفعة سياسية
ووفق تحليل لصحيفة "هآرتس" اليسارية الإسرائيلية، تمثل الحرب بين إسرائيل وحماس فرصة كبيرة لليمين المتطرف في أوروبا، حيث يشير زعماء مثل أوربان إلى بلدانهم باعتبارها ملاذات لليهود والمسيحيين.
بالنسبة للمرشحة الفرنسية مارين لوبان، التي من المتوقع أن تترشح للرئاسة للمرة الرابعة في عام 2027، فإن ذلك يوفر المزيد من الوقود لمهمتها المتمثلة في دفع مسيرة حزبها نحو حكم فرنسا، وفق المصدر ذاته.
وفي ألمانيا، اغتنم حزب "البديل لأجل ألمانيا"، الذي يحقق مكاسب تاريخية في استطلاعات الرأي منذ أشهر، الفرصة لإطلاق العنان لأجندته الصريحة المعادية للإسلام والمهاجرين، لدفع حظوظه بشكل أكبر.
وقالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة برينستون، رافائيلا دانسيجير، في تصريحات صحفية إن "الفظائع التي ارتكبتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحمل فوائد سياسية لليمين المتطرف الأوروبي".
وأضافت أن "هذا الهجوم، يسمح للأحزاب اليمينية المتطرفة بشيطنة المسلمين في أوروبا والدعوة إلى فرض قيود صارمة على الهجرة - وهو ما كانوا يفعلونه طوال الوقت، ولكن الآن مع ذخيرة إضافية".
المزيد من الاستغلال
أما بيتر كريكو، الخبير السياسي المجري، فقال في تصريحات صحفية أيضا، إن "موقف اليمين المتطرف الأوروبي المؤيد للصهيونية يتعلق باستغلال المسلمين أكثر من المشاعر الحقيقية تجاه إسرائيل".
ووفق كريكو، يستطيع أوربان أن يقول للناخبين في الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران المقبل: "انظروا إلى دول أوروبا الغربية التي لم تكن حريصة بما فيه الكفاية مع المهاجرين مع احتدام معاداة السامية داخلها، على عكس المجر، التي تعتبر ملاذاً آمناً لليهود والمسيحيين".
أما فيما يتعلق بالمستقبل القريب، قال الخبير جودي ديمبسي في مقال بمركز كارنيغي، "إذا استمرت الاضطرابات في الشرق الأوسط وانتشرت، فسوف يؤدي هذا إلى تفاقم الاستقطاب الذي يؤثر بالفعل على أجزاء كثيرة من أوروبا".
وأضاف أنه "سوف تتصاعد معاداة السامية وكراهية الإسلام.. وسوف يتزايد خطر الإرهاب وأشكال العنف الأخرى. وستزداد المواقف المتشددة تجاه الهجرة وستخلق عقبات جديدة أمام اندماج الأقليات العرقية والدينية".
وتابع قائلا "ستستغل أحزاب اليمين المتطرف الوضع، وتعيق أجندتها القومية إيجاد الحلول الأوروبية".
ما قبل الحرب
منذ عام، بدأ زخم أحزاب اليمين المتطرف يتزايد بشكل ملحوظ، إثر صعود جورجيا ميلوني وتحالفها اليميني المتطرف إلى الحكم في إيطاليا، بعد أن روجت لخطاب معاد للهجرة في فترة الحملة الانتخابية.
بالتزامن مع ذلك، كان حزب "الحرية" اليميني المتطرف في النمسا، يتحرك بشكل غير مسبوق في استطلاعات الرأي، ويتصدر قوائم أحزاب البلاد لأول مرة، ولا يزال على القمة بهامش شعبية يفوق الـ30% حتى اليوم، قبل أقل من عام على الانتخابات التشريعية.
ومن النمسا إلى ألمانيا، حيث سار حزب "البديل لأجل ألمانيا" على نفس النهج، وصعد للمرتبة الثانية بين الأحزاب المختلفة بـ٢٢% من نوايا التصويت، وهو أعلى ترتيب في تاريخه، ما دفع الحزب للتفكير في طرح مرشح للمستشارية في الانتخابات المقررة 2025.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أظهر استطلاع للرأي، أن شخصا واحدا تقريبا من أصل اثنين في فرنسا، يعتقد أن المرشحة الرئاسية لثلاث مرات، ماري لوبان، لديها القدرة على جمع الشعب الفرنسي (47 %)، وأنها تمتلك المهارات المطلوبة لتصبح رئيسة (48%)".
كما ينظر 50 % من الفرنسيين إلى لوبان على أنها قادرة على إصلاح البلاد، في معدلات استثنائية تجعل السياسية اليمينية قريبة للغاية من الصعود للسلطة.
هذا الزخم الذي كونه اليمين المتطرف على مدار الـ12 شهرا الماضية، تغذى على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتراجعة إثر تزايد التضخم وأسعار الطاقة، وتفاقم أزمة الهجرة واللجوء في التكتل الأوروبي، وفق المراقبين.