رغم مرور السنين ما زال جرح فقدانه غائراً وعميقاً، وما زال لبنان ينزف شعباً واقتصاداً منذ رحيله.
اليوم عيد الحب، وبالنسبة لي هو ذكرى يوم صعب، لأنه ذكرى استشهاد دولة الرئيس رفيق الحريري، أحد أهم الساسة الذين عرفتهم في حياتي.
رغم مرور السنين ما زال جرح فقدانه غائراً وعميقاً، وما زال لبنان ينزف شعباً واقتصاداً منذ رحيله.
ما الذي يجعل هذا الرجل شخصية استثنائية يندر أن يأتي الزمان بمثلها؟
ولد «الحريري» في صيدا عام 1941، لأسرة متوسطة الحال، ترعى بستان تفاح، تعلّم الدين والأدب في صيدا، وتعلّم السياسة وإدارة الأعمال في الجامعة ببيروت.
حاول أن يبحث عن الرزق في السعودية، وظل ينتظر وظيفة وفرصة عمل هناك أسابيع وشهوراً، وكان يعيش على رغيف خبز مغموس بقليل من «اللبنة والزعتر».
دفع «الحريري» للجميع، وأكرر الجميع، إلى الحد أنه ذات يوم قام بضمان سداد مبلغ 500 مليون دولار كانت ديناً متأخراً على لبنان عبر ضمان شخصي مع صديقه مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا! بالله عليكم كم سياسياً يضمن اقتصاد دولة من ماله الشخصي؟!
نجح في عمله مع رجل الأعمال السعودي ناصر الرشيد أن يكون قريباً من مشروعات الدولة في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز.
دخل تحدي إنشاء فندق إنتركونتيننتال الطائف الذي بُني في وقت غير مسبوق من أجل القمة الإسلامية هناك، وسلّمه إلى الملك فهد في 15 أسبوعاً جاهزاً ومفروشاً.
منذ ذلك الحدث، وهذا التاريخ، انفتحت أبواب الرزق عليه وأسس شركة سعودي أوجيه للمقاولات والصيانة، وعُهد إليه بأكبر مشروعات الإنشاءات في الدولة في زمن الطفرة النفطية.
كان من الممكن أن يعتمد على ملياراته ويستمتع بها، دون أن يشغل باله بأمرين؛ الأول: المشروعات الإنسانية، الثاني: إنقاذ لبنان من نفسه!
تعهد بتعليم 36 ألف طالب وطالبة على نفقته الخاصة داخل لبنان وخارجه، بشكل لا تمييز فيه بين انتماء طائفي أو مناطقي أو سياسي.
كان «أبو الفقراء والمساكين والأرامل والعجزة والأيتام».
ورغم أنه كان رجل أعمال يعمل في السياسة، فإنه لم يتلوث بطائفية أو مناطقية لوردات الحرب الأهلية اللبنانية.
ورغم كل ملياراته، فإنه وضعها تحت قدميه وليس فوق رأسه.
كان النجاح والنجاح وحده في جعل حياة الناس أفضل هو جائزة رفيق الحريري الكبرى، فيما بقي من حياته.
لم يكن يسعى لمزيد من المال بعدما حقق ما يريد، ولم يكن يسعى لمزيد من السلطة بعدما وصل إلى أعلى منصب يصل إليه لبناني سني وهو منصب رئيس الوزراء.
قتلوا «الحريرى» لأنه كان غريباً عنهم، ليس مثلهم، فوق الطائفة، فوق السلطة، فوق المذهبية، ليس بحاجة إلى مال الدولة.
قتلوا «الحريرى» بأكبر قدر من المتفجرات حتى ينسفوا مشروع الإنجاز والبناء والإصلاح والاعتدال العابر للطوائف والأحزاب والمناطق.
قتلوا «الحريري» لأنه ليس لاعباً في فريق فسادهم أو عمالتهم أو طائفيتهم.
قتلوا الرجل لأنه كلاعب أصبح أكبر من اللعبة.
قتلوا «الحريري» لأن قوته تعدت حدود لبنان فأصبح الضيف الأول المرحب به في الإليزيه، والبيت الأبيض و10 داوننج ستريت، وقصر الحكم في الرياض، وقصر الاتحادية بالقاهرة، سواء كان في السلطة أو خارجها.
قتلوا «الحريري» لأنه كان يسعى للبنان السيد الحر المستقل على كامل ترابه الوطني وكامل إرادته السياسية.
كل من دخل السلطة -تقريباً- في لبنان وضع في جيبه منافع خاصة من المال العام، أما رفيق الحريري فإنه كان أكثر مَن يدفع من جيبه.
دفع «الحريري» للجميع، وأكرر الجميع، إلى الحد أنه ذات يوم قام بضمان سداد مبلغ 500 مليون دولار كانت ديناً متأخراً على لبنان عبر ضمان شخصي مع صديقه مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا!
بالله عليكم كم سياسياً يضمن اقتصاد دولة من ماله الشخصي؟!
اليوم نذكر الرجل، والدولار مفقود، والرواتب معطلة، والبطالة سائدة.
أتذكر الرجل وما زال وجع الفقدان كأنه بالأمس القريب، وما زال الحزن على رحيله المدوي عميقاً فى النفس، وما زال غيابه يشكل فراغاً لا حدود له.
نتذكر الرجل واليوم هناك كفر بالدولة والحكومة والبرلمان!
واليوم وفيما تقف الدولة في لبنان على حافة الانهيار الكامل، في ظل اقتصاد مأزوم، وشعب متفجر، يُفتقد رفيق الحريري أكثر من أي وقت آخر.
وأسألكم قراءة الفاتحة على روحه وعلى روح رفاقه الذين قضوا نحبهم معه.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة