أضغاث أحلام.. هل ضل الاتحاد الأوروبي الطريق للحياد الكربوني؟ (تحليل)
كأضغاث أحلام تعد حزمة المناخ الخاصة بالاتحاد الأوروبي، والتي تحمل اسم "فيت فور 55"، أداة مهمة لمكافحة الاحترار العالمي.
ويعتبرها مؤيدوها "أكبر قانون على الإطلاق لحماية المناخ"، وقد أعطى البرلمان الأوروبي مؤخرا الضوء الأخضر لثلاثة مشروعات قانون فارقة.
ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى خفض انبعاثاته من غاز ثاني أكسيد الكربون بواقع 55% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 1990، في إطار جهود تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2025.
- روح الكوكب الأزرق تحترق.. خفض الانبعاثات هو الأمل الأخير
- تغير المناخ يسرق الأمن المالي للملايين حول العالم.. كيف؟
وصوت البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي بأغلبية واسعة لصالح ثلاثة عناصر تشكل المحاور الرئيسية لحزمة "فيت فور 55"، وهي تداول الانبعاثات، وصندوق المناخ الاجتماعي، وفرض رسوم، أو ضريبة، خاصة بثاني أكسيد الكربون.
قوانين في الصيف
وكانت المفوضية الأوروبية قدمت القوانين الثلاثة صيف عام 2021 في إطار جهود مكافحة التغير المناخي.
وقال النائب الأوروبي، الألماني المحافظ، بيتر ليس، المقرر المسؤول عن تقرير الموافقة على القوانين الثلاثة بالبرلمان الأوروبي إنه "أكبر قانون على الإطلاق لحماية المناخ".
ورغم أن جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تقريبا، تتوافق معا عندما يتعلق الأمر بالمستقبل الأخضر، تشكل الأهداف واللوائح تحديا.
قواعد جديدة لتداول الانبعاثات من أجل تجنب "تسرب الكربون"
يشكل تداول الانبعاثات أداة رئيسية لجهود أوروبا في مجال حماية المناخ.
ويتعين على الشركات شراء شهادات التلوث إذا كان يصدر عنها انبعاثات كربونية، ومن المفترض أن يشكل ذلك حافزا لخفض الانبعاثات.
ويجري الآن تشديد هذا النظام، مع خفض كميات التلوث المسموح بها، بوتيرة أسرع مما كان مقررا سلفا. ويهدف هذا أيضا إلى تحفيز الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على رفع سقف أهدافها فيما يتعلق بحماية المناخ.
تكاليف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
وبدءا من عام 2034 ، سوف يتعين على المنتجين من خارج التكتل، تحمُل تكاليف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إذا ما أرادوا بيع منتجاتهم داخل الاتحاد الأوروبي ، ويسعى هذا الإجراء إلى ضمان عدم تقويض جهود حماية المناخ حال تحويل عمليات الإنتاج من الاتحاد الأوروبي إلى دول أخرى لديها لوائح تتسم بالتساهل.
وتسري هذه القواعد على صناعات الحديد والصلب والأسمنت والألمنيوم، وعلى الأسمدة والكهرباء والهيدروجين. وسوف يتعين على أي طرف يريد استيراد هذه السلع تعويض الفارق بين سعر ثاني أكسيد الكربون في بلد المنشأ، والسعر الأعلى لكميات الانبعاثات داخل نظام تداول الانبعاثات المعمول به في الاتحاد الأوروبي.
وقالت النائبة الأوروبية، الألمانية، ديلارا بوركهارت، المتحدثة باسم السياسات البيئية ضمن وفد الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني لدى البرلمان الأوروبي: "يعزز تعديل حدود ثاني أكسيد الكربون مصدر التلوث، كأساس لسياسة صناعية مستدامة".
وأضافت بوركهارت أن هذه الآلية، "آلية تعديل حدود الكربون"، توفر الحماية للشركات الأوروبية من نقل بيئة إنتاجها إلى دول لديها معايير بيئية أضعف.
وقالت وزارة البيئة والمناخ والطاقة في سلوفينيا، فيما يتعلق بآلية تعديل حدود الكربون: "عبر توسيع نظام تداول الانبعاثات (إي تي إس) ليشمل قطاعات جديدة ، وتعزيز أدواته وإلغاء كميات التلوث المسموح بها مجانا، نضمن أن أكبر مصادر التلوث في الاتحاد الأوروبي، ستضطر إلى التخلي عن الممارسات القديمة والتحول إلى تكنولوجيا وعمليات ومنتجات نظيفة."
واقترحت إسبانيا في صيف عام 2022 ، وضع سقف أقصى لآلية كميات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسموح بها، والتي جرت صياغتها لتشجيع جهود الحد من التلوث، ودفع القطاعات المنتجة لمعظم غازات الدفيئة إلى دفع الثمن.
هل التزمت فرنسا وإسبانيا وألمانيا بالتحفظات؟
ولا يرقى الهدف الذي تتبعه فرنسا حاليا من أجل خفض الانبعاثات إلى مستوى طموح الاتحاد الأوروبي، حيث تسعى البلاد إلى خفض بواقع 40% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 1990. كما أن فرنسا تتخلف عن أهدافها فيما يتعلق بنشر الطاقة المتجددة للفترة بين عامي 2019 و2023. وتعتمد باريس بقدر هائل على الطاقة النووية في جهودها لإزاحة الكربون ، رغم أن هذا النوع من الطاقة لا يحظى بدعم بالإجماع داخل الاتحاد لأوروبي.
وإضافة إلى ذلك، يشكل ارتفاع أسعار الطاقة والتخلي التدريجي عن كميات انبعاثات الكربون المجانية في أوروبا، تهديدا لأكثر من 150 ألف وظيفة في مجال الصناعة بفرنسا، بحسب ما ذكره مركز أبحاث الصناعة في دراسة صدرت مؤخرا.
وإذا ما تم يوما ما النظر بصورة إيجابية لتطبيق تعريفة ثاني أكسيد الكربون، أو " آلية تعديل حدود الكربون" باعتباره أداة لوضع حد لتسرب الكربون من بعض القوى التجارية، فإن رجال الصناعة يشيرون إلى أوجه قصور في هذا النظام.
ويقول رجال الصناعة، بشكل خاص، إن "آلية تعديل حدود الكربون" سوف تشمل فحسب فرض ضرائب على الدخول للسوق الأوروبية، وسوف تؤثر على القدرة التنافسية للصادرات الأوروبية "في مواجهة المنافسة الأجنبية التي لن تتحمل نفس تكاليف الكربون في الإنتاج."
وفي حين أن إسبانيا تدعم حزمة المناخ الأوروبية، لا يزال أمامها طريق طويل. وفي عام 2021 ، وصل إجمالي انبعاثات الكربون لديها إلى 6ر882 مليون طن. ورغم أن ذلك يماثل 1ر2990 طن سجلتها البلاد في عام 1990، وهو دون الذروة التي بلغتها بواقع 7ر644 مليون طن في عام 2007، فإن إسبانيا بحاجة للعمل بشكل أقوى لخفض الانبعاثات.
وفي سبتمبر/أيلول عام 2022، اقترح الحزب الشعبي الإسباني، حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، خفضا واسعا في أسعار شهادات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على المستوى الأوروبي، بشكل مؤقت، أو تعليق الطلبات لبضعة أشهر، حال كان ذلك ضروريا وجرت الموافقة عليه.
وبعد التصويت على هذا الاقتراح، تحدث النائب بالبرلمان الألماني (بوندستاج) أولاف هي دير بيك، وهو أيضا متحدث سياسة المناخ لدى الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي الحر، عن "يوم رائع لحماية المناخ في أوروبا".
ورغم ذلك، لا يزال دير بيك يرى مجالا لمزيد من التحسن، ويقول إن الخطوة التالية في ألمانيا يجب أن تكون تطوير نظام تسعير ثاني أكسيد الكربون إلى نظام تداول حقيقي للانبعاثات، مع وجود سقف ثابت لهذه الانبعاثات اعتبارا من عام .2024
صربيا المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي
فقد قالت وزيرة الطاقة الصربية دوبرافكا ديدوفيتش إن اقتصاد بلادها يهدف إلى إزالة الكربون بحلول عام 2050، كما تسعى صربيا إلى مواءمة أهدافها مع أهداف الاتحاد الأوروبي بالقدر المستطاع.
وأوضحت ديدوفيتش: "أحد هذه الأهداف هو حصة مصادر الطاقة المتجددة في مجال إنتاج الكهرباء، والمستهدف لدينا في هذا الإطار هو 45% بحلول عام 2030، وهذا أمر واقعي وقابل للتحقيق. ونحاول حاليا تحقيق المواءمة فيما يتعلق بحصة مصادر الطاقة المتجددة في إجمالي الاستهلاك النهائي. أتوقع أن يصل ذلك إلى أكثر من 30% وأقل من 40%." وأكدت الوزيرة أن صربيا يجب أن تكون طموحة، ولكن واقعية.
وبحسب ما ذكرته ديدوفيتش، لا تعد فترة سبعة أعوام طويلة بالنسبة لمشروعات الطاقة، حيث إنها تتطلب وقتا طويلا، وأموالا ضخمة. وإلى جانب ذلك، يتعين توخي الحذر لضمان تحقيق انتقال عادل، للعاملين في قطاع التعدين، في المقام الأول.
الصندوق الاجتماعي للمناخ للأسر الفقيرة
من المنتظر تخفيف تداعيات التكاليف الباهظة للتحول في مجال الطاقة على المستهلكين، مثل ارتفاع تكاليف التدفئة، عبر صندوق بقيمة 7ر86 مليار يورو (95 مليار دولار)، اعتبارا من عام 2026.
ومن الممكن استخدام الصندوق الاجتماعي للمناخ للتخفيف عن الأسر أو لتمويل استثمارات، على سبيل المثال، مساكن ووسائل نقل عام أكثر كفاءة. ومن المقرر توفير حوالي 75% من رأسمال الصندوق من عائدات تجارة الانبعاثات والباقي من الدول الأعضاء.
ومن شأن الصندوق الاجتماعي للمناخ أن يضمن عدم تحميل مواطني الاتحاد الأوروبي من الفئات الضعيفة اجتماعيا تكاليف التحول الأخضر، بشكل غير متناسب، وفقا لما ذكرته وزارة البيئة والمناخ والطاقة في سلوفينيا.
ورغم ذلك، انتقد متحدث السياسة الاجتماعية لدى حزب البديل الألماني جويدو ريل، الصندوق الاجتماعي للمناخ ورآه يشكل "اعترافا غير مباشر بأن سياسة المناخ الأوروبية مشروع للصفوة يضع مزيدا من العبء، بشكل خاص، على أفراد المجتمع الفقراء والضعفاء."
ولا يزال يتعين على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الموافقة على هذه الخطط، ولكن هذه الموافقة تعد أمرا شكليا.