طريق العنف قد يبدأ بالكلام، وكثيرًا ما يتم ترجمة هذا الكلام إلى خطاب عام يُحرّض في أوله على الكراهية ويمارس صاحبه في آخره العنف.. إما بنفسه أو بتحريض آخرين عليه.
وممارسة العنف لها مستويات عدة، أولها التحريض على الكراهية حتى ترجمتها إلى فعل مادي يُنهي من خلاله صاحب الخطاب المحرِّض حياة الآخرين، إما بنفسه أو من خلال طرف ثان.
ويعيش صاحب خطاب الكراهية بين النّاس، ولكنه مستمر في الشحن ضدهم ونبذهم، صحيح أن صاحب هذا الخطاب لا يحمل سلاحا في يده، لكنه يبث أفكارا أقوى أثرا من السلاح، أفكار تُنكر على الآخرين حياتهم واختياراتهم.. فهذا التحريض الشفهي أشبه بالقنابل الحارقة.
إن مشكلة مجتمعاتنا العربية في بعض دُعاتها، فقد يميل خطاب بعضهم إلى حديث الكراهية، وهنا يدفع المحرض بخطابه إلى خلق صراعات طائفية، فخطاب الكراهية يسعى إلى نشر الفتنة من خلال وصف الآخر بصفات تجعل منه عدوا مجتمعيا، مثل الحكم عليه بأنه "كافر" أو "مفسد" مثلا.
والكراهية والعنف صنوان لا يفترقان، الأول يؤدي حتمًا إلى الثاني، وممارسة البعض سلوك العنف دليل على كراهيته الآخر المختلف معه، وهنا تظهر على السطح عمليات الاغتيال للمختلفين معنويًا وبدنيًا، إذ يتم مواجهتهم بكراهية يتبعها خطاب تحريض يؤدي إلى فعل عنيف مباشرة، هذا طبعا حتى وإن لبس خطاب الكراهية ثيابا براقة خادعة.
وأرى أن تنظيمات الإسلام السياسي هي المسؤول الأول والرئيسي عن نشر خطاب الكراهية والترويج له بين مجتمعاتنا، ولعل جماعة الإخوان الإرهابية هي المتهم الأول بين هذه التنظيمات في تدشين هذا الخطاب المتطرف، وهنا تبدو خطورة "الإخوان" وأفكارهم على أمن المجتمعات، فالعنف يبدأ بفكرة، والفكرة تُترجم إلى سلوك، ومن خلال "الإخوان" انتقل العنف كتطبيق إلى كل التنظيمات الإرهابية، مثل "القاعدة" و"داعش"، والتي استقته من الجماعة الأم.
حتمًا يأخذ خطاب الكراهية صاحبه إلى أداء سلوك عنيف، فما بالك وكل تنظيمات الإسلام السياسي تعمل على إشعال هذا الخطاب بعد زرعه في المجتمع، فلا نُبالغ إذا قلنا إنه يُعد بمثابة إحدى صور العنف ومرحلة من مراحله، فالكلمات تُصيب الآخرين وتترك فيهم جروحًا لا تقل عن تلك التي يتركها العنف البدني.
وللأسف فإن أصحاب هذا الخطاب المنفر يتسترون وراء الدين، وهو منهم براء، وهنا يبرز دور المؤسسات الدينية المعنية بمحاربة هذا الخطاب المرفوض، وإظهار صورة الدين الصحيحة.
تفكيك السلوك المتطرف يبدأ من الفكرة، التي تدفع صاحبها لممارسة العنف، والفكرة التي تسكن في خطاب الكراهية تحتاج إلى مؤسسة دينية ومؤسسة ثقافية تعملان معا من أجل ترسيخ مبادئ الإنسانية واحترام الآخر وتجريم الاعتداء عليه بأي صورة كانت لفظية أو بدنية.
خطر الكلمات التي تفرق الناس لا يقل عن خطر من يلقون القذائف النارية على الأبرياء، وكم من فتوى أطلقها أحد هؤلاء وتركها تشتعل من خلفه بين دفتي
كتاب أو في طبة مسجلة، فيلتقطها شخص تُرك لمثل هذا التطرف على أنه الدين، ليطبقها على الناس بين تكفير وقتل.
ربما تكون البداية السليمة لعلاج خطاب الكراهية والتطرف هو فحص فتاوى الكتب المتراكمة والتي لا أصل لها، إذ تحتاج إلى فلترة ونشر ما يفنّدها ويبحث مراميها، بدلا من تركها جسرًا إلى العنف والإرهاب، فالمواجهة الفكرية حائط صد أول أمام نبتة التطرف التي تُزرع في قلوب من لم يتعلموا مبادئ التعايش والسلام، كما أنها تعيد النقش من جديد على عقول طمسها خطاب التحريض والكراهية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة