وزير تونسي سابق لـ"العين الإخبارية": ما وقع في سنوات حكم الإخوان "جريمة دولة"
ملف ملغوم يفتحه وزير تونسي سابق لتعقب آثار جرائم الإخوان في عهد حكمهم ويستعرض القصة الكاملة لواحدة من أسوأ خروقات التنظيم المتطرف.
وفي مقابلة مع "العين الإخبارية" جرت بالعاصمة التونسية، تحدث حاتم العشي، الوزير الأسبق لأملاك الدولة عن ملف تسفير الإرهابيين إلى بؤر التوتر في عهد الإخوان، واصفا ذلك بـ"جريمة دولة".
كما استشرف العشي ملامح البرلمان المقبل الذي سينبثق بمقتضى القانون الانتخابي الجديد والمكونات السياسية التي ستولد من رحم الانتخابات التشريعية المقبلة.
وحاتم العشي هو قاض بالمحاكم التونسية، عيّن وزيرا لأملاك الدولة والشؤون العقارية في 5 فبراير/ شباط 2015، بحكومة الحبيب الصيد، أي في عهد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.. وفيما يلي نص المقابلة:
* خيوط ملف تسفير الإرهابيين إلى بؤر التوتر لم تتفكك بعد.. هل ترون أن القضاء يسير في الطريق الصحيح لمحاسبة كل المتورطين؟
القضاء حاليا يعمل بكل نزاهة ومصداقية وهذا الملف يهم الأمن القومي للبلاد وهو صعب للغاية ومتشعب وليس من السهل إصدار أحكام فيه بطريقة سريعة.
أستغرب من التونسيين الذين يقولون إن القضاء لا يقوم بدوره ويطلق سراح المتهمين، مع أنه لم يطلق سراح أي متهم وجميعهم على ذمة التحقيق.
كما أرى أن قاضي التحقيق يحتاج إلى الكثير من الوقت لأن الاستنطاقات (الاستجواب) تأخذ وقتا كبيرا.
وعلى المستوى السياسي تتحمل حكومة الترويكا (النهضة وحزب المؤتمر التابع للرئيس الأسبق المنصف المرزوقي وحزب التكتل) في سنوات 2012-2013-2014 المسؤولية الكاملة في ذلك.
وعمليات التسفير آنذاك كانت تتم بصفة سلسة جدا تستدعي التحقيق فيها بجدية، وللأسف مازالت تونس إلى اليوم تتحمل تبعات القرارات السياسية التي وقع اتخاذها في تلك الفترة، وأعتبر أن ملف التسفير خطير جدا ويجب أن تتعامل معه تونس بشكل جدي لأن ما وقع في تلك السنوات هو جريمة دولة.
فقضية تسفير التونسيين إلى سوريا في عامي 2012 و2013 تمت بمباركة من مؤتمر أصدقاء سوريا برعاية الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، وأطلب من السلطة توفير الحماية الأمنية اللازمة للمبلغة (من قامت بتقديم شكوى قضائية وهي البرلمانية السابقة فاطمة المسدي) وللقضاة المتعهدين بالملف سواء على مستوى التحقيق أو الاتهام، حتى تظهر الحقيقة.
*بعد إصدار الرئيس التونسي قيس سعيد القانون الانتخابي.. ما موقفكم من هذا القانون الذي أثار جدلا في الأوساط السياسية؟
القانون الانتخابي الجديد الذي سينظم الانتخابات المقبلة برمته إيجابي لكن يتضمن بعض السلبيات.
وتتمثل الإيجابيات في مسألة الاقتراع على الأفراد وليس على القوائم مثلما حصل في السابق حيث سيمنح الأشخاص الذين يتميزون بإشعاع إمكانية الوصول إلى البرلمان.
هناك العديد من السياسيين الذين يرون أن هذا الشكل من الاقتراع سيسمح للمال الفاسد بأن يتغلغل داخل مجلس النواب، لكني أرى أن القانون الانتخابي يتضمن مادة تنص على منع وتجريم التمويلات الخارجية، ويتعرض منتهكو هذه المادة لعقوبة بالسجن لمدة خمس سنوات، والقانون صارم من هذه الناحية.
كما يفرض القانون أن يكون المرشحون للانتخابات بلا سوابق عدلية ما يعني أنه سيمنع الإرهابيين والمهربين من دعس عتبة مجلس النواب مثلما حصل في البرلمان السابق، وكل من يحاكم في قضايا حتى وإن كانت سياسية بتعلة أنهم ضحايا الاستبداد (الإخوان) سيتم إقصاؤهم.
وهناك من يدعي أنه سيتم إقصاء الأحزاب من الانتخابات لأنه تم التنصيص على أنه سيتم الاقتراع على الأفراد لكن ذلك أمر خاطئ، ففي فرنسا مثلا يتم الاقتراع على هذه الشاكلة وعلى دورتين مثل تونس و80% من الأحزاب ترشحت.
وما هي عيوب القانون الانتخابي؟
ما أزعجني في هذا القانون هو فرض جمع 400 تزكية للترشح للانتخابات البرلمانية، وفي الداخل التونسي يمكن جمع هذا الرقم لكن المرشحين في الخارج لا يمكنهم جمع هذا الرقم وهو أمر صعب ومستحيل.
كما أن تقسيم الدوائر سينجر عنه عديد المشاكل لأنه سيحرم عددا من ممثلي بعض المعتمديات (تقسيم إداري في تونس) من الترشح وتمثيل جهاتهم في البرلمان.
إضافة إلى أن هذا القانون يتضمن مادة تنص على سحب الوكالة من النائب بعد فوزه في الانتخابات، لكن ذلك يصعب، حيث ينص القانون على أنه يمكن سحب الوكالة من النّائب في دائرته الانتخابية في صورة إخلاله بواجب النّزاهة أو تقصيره ولا يمكن سحب الوكالة قبل انقضاء الدورة النّيابية الأولى أو خلال الأشهر الستّة الأخيرة من المدة النّيابية.
كما لا يمكن تقديم عريضة سحب الوكالة من النّائب إلا مرة واحدة طيلة المدة النّيابية وتقدم عريضة سحب الوكالة معلّلة وممضاة من قبل عشر النّاخبين المسجلين بالدائرة الانتخابية التي ترشح بها النّائب المعني إلى الإدارة الفرعية للانتخابات المختصة ترابيا، ويجب أن تكون الإمضاءات معرف بها لدى السلط الإدارية المعنية أو أمام الهيئة.
هذا كله يجعل هذه العملية معقدة وصعب تطبيقها.
*وبخصوص هذه السلبيات.. هل يمكن للرئيس تعديلها مثلما جرى بالنسبة لمشروع دستور 25 يوليو قبل أيام من تنظيم الاستفتاء؟
أنا الحقيقة أستبعد أن يقوم قيس سعيد بتعديل هذا القانون لكني أتوقع أن تجرى هذه التعديلات بعد تنظيم الانتخابات البرلمانية.
*كيف تستشرفون ملامح البرلمان القادم من حيث المكونات السياسية؟
أتوقع أن يكون البرلمان القادم شبيها بسابقه لأن الأحزاب المقاطعة للانتخابات مثل النهضة والحزب الدستوري الحر (حزب عبير موسي) وغيرها ستشارك في الانتخابات عن طريق ترشيح أشخاص تظهر لعموم الناس بأنها مستقلة لكنها متحزبة وسيكون سجلها نظيفا من السوابق العدلية.
وسيكون البرلمان منقسما إلى 3 معسكرات: نواب من النهضة (الإخوان) وآخرون من الحزب الدستوري الحر، وشق ثالث من أنصار الرئيس قيس سعيد.
لكن كل هذه المكونات السياسية لن يكون لها أي أثر مثل البرلمان السابق لأن الجديد لن يكون دوره كبيرا ورقابيا مثل السابق وإنما دوره في إصدار القوانين فقط، حيث يمنح دستور تونس الجديد سلطات أكبر لرئيس الجمهورية خلافا لدستور 2014، الذي يتقاسم فيه الرئيس السلطات مع البرلمان.
وبحسب المادتين 100 و101 فإن الرئيس يعين رئيس الحكومة وبقية أعضائها (باقتراح من الأخير) وله إنهاء مهامهم.
ووفق المادة 106، تتضمن صلاحيات الرئيس إسناد الوظائف العليا المدنية والعسكرية في الدولة باقتراح من رئيس الحكومة، وتنص المادة 112 على أن "الحكومة مسؤولة عن تصرفها أمام الرئيس".
ووفق المادة 115، لا يمكن للبرلمان إقالة الحكومة أو حجب الثقة عنها في التصويت إلا بتأييد ثلثي النواب (تتم بتأييد النصف زائد واحد في دستور 2014).
كما يجرم الدستور الجديد أي مشاهد عنف وعراك داخل البرلمان حيث ترفع الحصانة على النائب فورا بمجرد إحداثه للشغب وتقع إحالته إلى القضاء.
aXA6IDMuMTQyLjEyNC4xMTkg جزيرة ام اند امز