الإرهاب الفردي الذي يتبناه الأفراد أصبح يفاجئنا بشكل الجرائم التي يرتكبها سواء في دور العبادة أو الأماكن العامة
لقد دخل الإرهابي المتطرف "برينتون تارنت" إلى مسجدين في مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا وقتل خمسين شخصا وجرح العدد نفسه بمعنى أن ضحاياه قد بلغوا مئة من البشر. هذا الإرهابي لم يتوانَ في وصف نفسه بأنه فاشي يؤمن بتفوق العرق الأبيض بينما هذه الظواهر المقلقة تتضاعف في هذا العالم بشكل متواتر وتتضخم ليس بحق ديانة أو عرق وحده.
مع كل مشروعات وخطابات التسامح التي ترفعها الدول والشعوب فوق كل مناسبة سياسية أو إعلامية أو ثقافية، فإن بروز ظاهرة الكراهية بهذه الطريقة المؤلمة ينذر بخطر كبير قد يتحول إلى ظاهرة تبادلية بين الشعوب والمجتمعات قد يستغلها كل متطرف يرى الحقيقة من وجهة نظره الخاصة.
العالم اليوم أمام سؤال مهم حول أفضل السبل لتجنب ظهور مؤشرات الكراهية المدفونة تحت عقائد وأفكار باطلة يمكنها أن تدمر العالم في وقت قياسي، لأن الشعوب بكل تنوعها ولغاتها وأيديولوجياتها يسهل عليها استرجاع التاريخ واستثارته في حال دفعت عبر ممرات الجهل والتطرف
لقد كان مشهد القتلى والجرحى في المسجدين مؤلما وسوف يظل جزءا من الذاكرة التاريخية العميقة، فهذه الحادثة شاهد على أن الإنسانية بأكملها تحتاج إلى جهود مكثفة في سبيل القضاء على الظواهر المؤدية إلى تضخم الكراهية وفق أسس دينية أو عرقية أو استناداً على جنس أو لون. الأزمة الكبرى أن مثل هؤلاء الأفراد الذين يؤمنون بالتطرف والإرهاب تحت منظومات أيديولوجية معقدة يصعب كشفهم إلا عندما يرتكبون الجرائم كما حدث في نيوزيلندا وغيرها من دول العالم.
الأخطر في تضخم التطرف أنه من الممكن أن يولد فجأة في مواقع لا يمكن توقعها وفي بيئات ودول يصعب التنبؤ بأنها تحمل في رحمها من هم على شاكلة "برينتون تارنت". لقد أصبح من الواضح أن التطرف والإرهاب الفردي خطير وبنفس درجة خطورة الإرهاب المنظم الذي تتبناه الجماعات والمنظمات المتطرفة، ولكن الفرق المخيف أن الإرهاب الفردي يفاجئك في ظهوره ونتائجه.
الإرهاب الفردي الذي يتبناه الأفراد أصبح يفاجئنا بشكل الجرائم التي يرتكبها سواء في دور العبادة أو الأماكن العامة، وهذا يتطلب مواقف عالمية صارمة تتجه نحو الشعوب ومن خلال مؤسسات التعليم والإعلام من أجل نشر التوعية حول القضايا والأفكار التي يمكنها أن تسهم في دعم التطرف الفردي.
خلال العقدين الماضيين كانت جرائم التطرف التي نفذها أفراد تعبر عن كم هائل من الكراهية وصلت إلى حد قتل العشرات من البشر في موقع واحد دون أدنى مراعاة ورحمة كونهم بشرا لهم الحق في الحياة. إن أكثر ما يمكن أن يسبب القلق الدولي هو أن تكون دور العبادة عبر العالم أماكن غير آمنة لممارسة الأديان فيها وهذا مكمن الخطر سياسيا وثقافيا وفكريا.
لقد كان مشهد القتلى في مسجدي مدينة كرايستشيرش منذرا بتنامي معدلات الخطر وتضخمها على الحياة في كل أرجاء العالم، لأن مثل هذه العقول المتطرفة والمفردة والتي تقودها أفكار وأيديولوجيات يصعب اكتشافها ولا يمكن توقع زمان ومكان ظهورها. العالم اليوم أمام سؤال مهم حول أفضل السبل لتجنب ظهور مؤشرات الكراهية المدفونة تحت عقائد وأفكار باطلة يمكنها أن تدمر العالم في وقت قياسي، لأن الشعوب بكل تنوعها ولغاتها وأيديولوجياتها يسهل عليها استرجاع التاريخ واستثارته في حال دفعت عبر ممرات الجهل والتطرف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة