ارتفاع القتلى لـ118.. ماذا نعرف عن «مجزرة الدقيق» في غزة؟
بعد أيام من «مجزرة الدقيق» في غزة، ارتفع عدد القتلى الذين لقوا حتفهم، متأثرين بإصابتهم، التي تعرضوا لها، جراء إطلاق جنود إسرائيليين النار وتدافع الحشود.
وكانت عملية توزيع مساعدات إنسانية في شمال قطاع غزة تحولت إلى مأساة أدت إلى مقتل أكثر من مئة شخص في ظل تصريحات متضاربة وظروف لم يتم تحديدها بدقة.
وأفادت وزارة الصحة التابعة لحركة حماس، بأن نيران الجيش الإسرائيلي أدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص أثناء تجمعهم للحصول على المساعدات في شمال القطاع المحاصر. من جهته، أقر الجيش بوقوع عمليات إطلاق نار «محدودة»، مرجحا أن غالبية الضحايا قضوا جراء «الازدحام الشديد والدهس».
فماذا جرى؟
نقلت «فرانس برس» عن شاهد عيان قوله، إن الحادثة وقعت عندما هرع آلاف الفلسطينيين وهم في أمس الحاجة إلى الغذاء نحو شاحنات المساعدات عند دوار النابلسي الواقع على شارع الرشيد في غرب المدينة.
وقال الشاهد الذي طلب عدم نشر اسمه حرصا على سلامته: «اقتربت شاحنات تنقل المساعدات من بعض دبابات الجيش التي كانت في المنطقة وانقض الحشد الذي يضم آلاف الأشخاص على الشاحنات»، مضيفًا: «أطلق الجنود النار على الحشد عندما اقترب الناس من الدبابات».
كان علي عوض اشقير الذي ذهب لإحضار بعض الدقيق لأسرته التي تتضور جوعاً ينتظر منذ ساعتين عندما وقعت الحادثة. وقال لـ«فرانس برس»: «في حوالي الساعة الرابعة فجرا بدأت الشاحنات بالوصول. وفور وصولها أطلق جيش الاحتلال قذائف المدفعية والرشاشات».
محمود أحمد أحد قال، إنه انتظر منذ مساء الأربعاء القافلة التي وصلت صباح الخميس، مشيرًا إلى أن الجوع أجبره على المخاطرة بالذهاب إلى مكان وصول الشاحنات على أمل الحصول على الطحين لأطفاله.
ومع وصول شاحنات المساعدات إلى شمال غزة، توجه نحوها، لكنّ دبابة وطائرة مسيرة، على حد قوله، بدأتا في إطلاق النار.
وقال: «رحنا (ذهبنا) من الساعة سبعة العشا وتمينا (وظللنا هناك) لثاني يوم الساعة 5 الصبح ولما أنه مرقت (جاءت) المساعدات رحت إلى هو (ثم) بدأت الدبابة والكوادكابتر (الطائرة المسيرة) اطخ (تطلق النار) فتصاوبت (أصيبت) في طلقين بظهري وضليتني (ظللت) أنزف لمدة ساعة لحد ما أجى أحد من أقربائي يوديني ع (ينقلني إلى) مستشفى».
وأضاف: «من حد ما (حين) دخلت المساعدات بدأت الدبابة وطائرة الكوادكابتر (مسيرة) بطخ (تطلقان النيران) على الناس المتواجدين غادة (تجاه) الناس اللي رايحة تجيب لقمة عيشها، لقمة أولادها، بدأت تطخ عليهم».
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي إنه حصل في البداية تدافع بوجود «آلاف الأشخاص. أصيب وقُتل العشرات من الغزيين، بعضهم دهسته الشاحنات»، ثم تمكنت بعض شاحنات القافلة من مواصلة طريقها.
وأضاف المسؤول أن «عشرات المدنيين هرعوا إلى الشاحنات واقتربوا من الدبابات والقوات القريبة منها»، مشيرًا إلى أن «الجنود أطلقوا طلقات تحذيرية في الهواء ثم أطلقوا النار باتجاه من شكلوا تهديدا ولم يبتعدوا (..) أستطيع أن أقول إن ردنا كان محدودا، ونيراننا محدودة.. لم يكن حدثا جللا من وجهة نظرنا».
وأظهرت صور ملتقطة من الجو نشرها الجيش الإسرائيلي من قال إنهم عشرات من السكان يحيطون بشاحنات المساعدات في مدينة غزة.
إلا أن هذه الصور التي نشرها الجيش تثير العديد من الأسئلة؛ فهي لا تؤشر إلى ما حصل في بداية الحادث أو ختامه، كما أن بعض النقاط تبدو مغطاة بالأسود أو غير واضحة. وتظهر في منطقتين فيها، عربات عسكرية إسرائيلية متمركزة على مقربة من الطريق التي سلكتها قافلة المساعدات.
كم سقط من قتلى؟
أفادت وزارة الصحة التابعة لحماس السبت على لسان المتحدث أشرف القدرة عن «ارتفاع حصيلة مجزرة شارع الرشيد التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية صباح الخميس إلى 118 شهيدا و760 إصابة».
وتابع: «لا زال عشرات الإصابات في حالة الخطر مما قد يرفع عدد الشهداء في أي لحظة نتيجة عدم توفر الإمكانيات الطبية لإنقاذ حياتهم».
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري تحدث مساء الخميس عن مقتل أو جرح «عشرات الغزيين».
ومساء السبت، شدد هاغاري على أن الجيش قام بـ«تأمين عملية توزيع المساعدات (..)قمنا بهذه العملية الإنسانية. لا أساس للزعم بأننا هاجمنا القافلة وآذينا الناس عمدا».
من جهتها، أعلنت الأمم المتحدة أن فريقا تابعا لها زار الجمعة مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة الذي استقبل مئات الجرحى، غداة مطالبتها مع دول عدّة بإجراء تحقيق في هذه الحادثة.
وأظهرت صور لوكالة «فرانس برس» مشيعين متجمعين حول جثث سجيت بأكفان بيضاء في مستشفى الشفاء.
وأمضى موظفون في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ومنظمة الصحة العالمية واليونيسف، ما يزيد عن ساعتين صباح الجمعة في المستشفى، وفق ما أوضح المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة.
وقال ستيفان دوغاريك الجمعة إن «الشفاء استقبل يوم الجمعة أكثر من 700 جريح، منهم 200 لا يزالون في المستشفى، ووقت هذه الزيارة أبلغهم موظفو المستشفى أنهم استقبلوا 70 جثة لأشخاص قتلوا الجمعة»
من نظم قافلة الخميس؟
قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن القافلة التي ضمت 38 شاحنة دخلت الى غزة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، وحمولتها تعود إلى «شركات خاصة».
من جهته، قال المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني: «لم تشارك الأونروا ولا أي وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة في عملية التوزيع هذه».
ردود فعل دولية
أثار مقتل العشرات أثناء إيصال المساعدات سلسلة من الإدانات الدولية والدعوات المتجددة لوقف إطلاق النار.
وبدأت الولايات المتحدة السبت إنزال مساعدات إنسانية من الجو فوق قطاع غزة، غداة تأكيد الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه «علينا القيام بالمزيد، والولايات المتحدة ستقوم بالمزيد» حيال الوضع الإنساني في القطاع.
وأكد بايدن أن الولايات المتحدة، أبرز داعمي إسرائيل سياسيا وعسكريا، «ستصّر» على ضرورة سماح الدولة العبرية بدخول كميات إضافية من المساعدات.
وأوضح: «لا توجد أعذار لأن الحقيقة هي أن كمية المساعدات التي تدخل غزة بعيدة كل البعد عن الكمية الكافية. حياة الأبرياء على المحك، حياة الأطفال على المحك».
وانتقد وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في مقابلة مع صحيفة «لوموند» نشرت السبت السلطات الإسرائيلية، معتبرا أنها مسؤولة عن منع وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
مجاعة شبه حتمية
منذ عدة أشهر، تحذّر منظمات الإغاثة من حالة يأس تزداد حدة بين المدنيين في غزة، وقال مسؤول من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الإثنين إن انتشار المجاعة على نطاق واسع «يكاد يكون حتميا إذا لم يتغير شيء».
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 2,2 مليون شخص - هم الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة - مهددون بالمجاعة، خاصة في المناطق الشمالية المحيطة بمدينة غزة.
ووفقا لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) دخلت ما يزيد قليلا عن 2300 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة في فبراير/شباط الماضي، وهو عدد يقل بنحو 50% عن المسجل في يناير/كانون الثاني الماضي. وهذا أقل بكثير من 100 شاحنة يوميا في المتوسط، مقارنة مع نحو 500 شاحنة كانت تدخل يوميا قبل الحرب.