2019.. انتفاضة ضد حزب الله والنفوذ الإيراني في لبنان

عام 2019 لم يكن عاديا في لبنان، فقد شهد انفجارا بعد سنوات من التراكمات التي كانت تنبئ بأزمة لم يعمل المسؤولون أي إجراءات لتداركها

لم يكن عام 2019 عاديا في لبنان، فقد شهد انفجارا سياسيا واقتصاديا بعد سنوات من التراكمات التي كانت تنبئ بأزمة لم يعمل المسؤولون أي إجراءات لتداركها.

• تشكيل حكومة وتعافي الاقتصاد يتصدران اجتماع باريس حول لبنان 
• نائب لبناني يناشد بالكف عن "حرق مرشحي الحكومة"

وجاء قرار الحكومة بفرض رسوم على مكالمات الـ"واتس أب" لتكون بمثابة "القشة التي قسمت ظهر البعير"، ودفعت اللبنانيين إلى الشارع، مطلقين صرخة من حناجر أتعبتها سنوات من المعاناة.

وفي الأيام الثلاثة الأولى لاندلاع المظاهرات في أكتوبر/تشرين الأول كانت صرخة لبنانية جامعة لم تستثن لا طائفة ولا منطقة، بعد ذلك بدأ حزب الله وحلفاؤه يشككون في التحركات، متهمين المتظاهرين بالحصول على تمويل، ما أدى لتراجع جمهور الحزب و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر".

وبعد أيام قليلة من بدء المظاهرات اتخذ وزراء "القوات اللبنانية" قرارا بالاستقالة من الحكومة، ليقدم رئيسها سعد الحريري استقالته على وقع غضب الشارع المتصاعد، الأمر الذي رأى فيه "حزب الله" وحلفاؤه صفعة عبّر عنها عبر اعتداءات متكررة، شنها مناصروه على المتظاهرين، محاولين الضغط على الحريري لثنيه عن القرار.

السياسة العدائية التي انتهجها حزب الله في تعامله مع المتظاهرين ومحاولته الاحتفاظ بالحكومة التي يتحكم بقراراتها، تثبت خوفه من أن تكون مقدمة لاستهدافه وسلاحه، ومن خلفه النفوذ الإيراني، وهو ما يبرّر رفضه تشكيل حكومة تكنوقراط من غير السياسيين، ومن ثم يكون خارج حكومة قد تتخذ قرارات ضده. 

أهمية المظاهرات تكمن في أنها شملت مختلف المناطق حتى المعروفة بخضوعها لسيطرة حزب الله وحركة أمل، مثل بعلبك والنبطية وصور في الجنوب، ورفع في بعضها الصوت ضد سلاحه عبر شعار "لا نريد جيشا في لبنان إلا الجيش اللبناني"، ما شكّل تهديدا لبيئته، وأدى للاعتداء على المتظاهرين.

المستجدات اللبنانية التي كشفتها المظاهرات جعلت المراقبين والمسؤولين في بعض الدول يشبهون مظاهرات لبنان باحتجاجات العراق، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قائلا "إن إيران هي العامل المشترك وراء الاحتجاجات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وأشار بومبيو إلى أن المتظاهرين في العراق ولبنان وإيران نفسها يعارضون النظام الإيراني، وفي بيروت يريدون إخراج حزب الله وإيران من بلادهم، ومن نظامهم.

انهيار نفوذ إيران

وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية النقاب أن المسؤولين الإيرانيين تفاجأوا من أن نفوذهم في المنطقة ينهار بسرعة، ويعتقدون أن المظاهرات تشكل تهديداً وجودياً لنظامهم.

ولفتت الصحيفة إلى أن السلطات في طهران حولت في الآونة الأخيرة انتباهها إلى مصدرين جديدين للقلق، هما لبنان والعراق، حيث يعتقد نظام إيران أن المظاهرات الضخمة المناهضة للحكومة في البلدين، والتي تشوبها العداوات والاستياء تجاه إيران، عرضت مصالحه للخطر.

وأضافت الصحيفة "إذا نجح المحتجون اللبنانيون والعراقيون في إضعاف الأحزاب السياسية الراسخة ذات العلاقات العميقة مع قادة إيران، فإن طهران ستخسر عقوداً من الاستثمارات المالية والسياسية والعسكرية".

وفي الداخل لا تختلف نظرة الفرقاء إلى الأسباب التي دفعت حزب الله للتعامل بهذه الطريقة مع الاحتجاجات، حيث وصلت في بعض الأحيان إلى تخوين المتظاهرين من مناصريه وحركة أمل.

تخليص لبنان من نفوذ إيران 

وقال وزير العدل السابق أشرف ريفي، في تصريحات سابقة لـ"العين الإخبارية" "إن الاحتجاجات هي ثورة لتخليص لبنان من الهيمنة الإيرانية التي أدت إلى تحكم حزب الله في البلاد".

وحمّل ريفي حزب الله مسؤولية الانهيار الاقتصادي والسياسي الذي وصل إليه لبنان، والناتج عما يعتبره احتلالا إيرانيا.

ورأى ريفي أن الحل لن يكون إلا بحكومة اختصاصيين لإدارة المرحلة، وإقرار قانون انتخابي عادل غير ذلك الذي فصله حزب الله على مقاسه، لإجراء انتخابات مبكرة وتغيير البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب وحلفاؤه، ومن ثم نقل لبنان من الاحتلال الإيراني المقنع إلى الدولة المدنية التي ينشدها الشعب.

ويعتبر النائب في "حزب القوات اللبنانية" وهبي قاطيشا أن حزب الله شعر بالخوف من التحركات الشعبية التي وصلت حتى بيئته، ومناطق تحت سيطرته وهو ما ظهر تراجعا واضحا في مواقفه، وأصبح يستجدي الإسراع في تشكيل الحكومة.

ويقول قاطيشا لـ"العين الإخبارية" "بالنسبة إلى حزب الله هذه المظاهرات ستؤدي لوعي الشعب، ولا سيما أبناء مناطق ما سيمهّد لرفض بقائه مسيطرا عليهم ومن خلفه طهران، وهو ما يخيفه ويشكّل خطرا عليه".

ويرى قاطيشا أن ما حصل في بيئة ومناطق حزب الله خير دليل على هذا الأمر، حيث سجل تحديا له في قلب ساحته، مشيرا إلى أن هذا الخوف ظهر جليا أيضا في خطاب نصرالله الأخير، كما في المباحثات السياسية حول تشكيل الحكومة.

وأوضح "بعدما اعتاد نصرالله على التهديد والوعيد جعلته هذه التحركات يعيد حساباته، ويلقي مواقف هادئة على خلاف عادته، خاصة في خطابه الأخير، حتى أنه رفض تشكيل حكومة مواجهة من فريقه السياسي فقط، وهي الخطوة التي قام بها قبل 8 سنوات، لكنه لم يعد يجرؤ عليها اليوم، وبات يدعو لحكومة وحدة.

بناء دولة مدنية

ويرى المحلل السياسي اللبناني أسعد بشارة أن المظاهرات التي تهدف لبناء دولة مدنية هي الخصم الأساسي لمشروع ونموذج حزب الله، الذي يعتمد على تفريق اللبنانيين على أنهم طوائف وتركيب منظومة حكم من أمراء الطوائف، ليحكموا صوريا ويسرقوا الدولة ويمسكوا بقرارهم ولبنان".

ويقول بشارة لـ"العين الإخبارية" "الثورة عبرت الحواجز الطائفية، وأعطت أملا في بناء دولة حقيقية مدنية عابرة للطوائف بعيدا عن الاستسلام والوصاية لمشروع إيران، وهو ما يشكل خطرا على حزب الله الذي يمنع تشكيل حكومة للنهوض بلبنان، ويخاف من الدولة القوية التي تشكل الخصم الأول لمشروعه".  

ويضيف بشارة "رغم كل الحواجز التي تعترض التحركات الشعبية فيمكن القول إننا قطعنا مسافة لا بأس بها نحو الهدف، وبداية تفكك منظومة حزب الله عبر خروج أحد ركائزها من الحكومة، وهو وزير الخارجية جبران باسيل، الذي أعلن أنه لن يشارك في الحكومة المقبلة".

ولفت بشارة إلى أنه إذا استمر الشعب اللبناني بثورته السلمية سيحقق كامل أهدافه، ويقول "المسألة مسألة وقت، وإن كانت الكلفة كبيرة اقتصاديا، وهناك خطر من إثارة الفوضى وتهديد الناس بأمنهم، حيث كلما اقتربنا من تحقيق الهدف زاد التهويل بالحرب الأهلية والفوضى".

وأوضح بشارة أن المظاهرات التي خرجت للمرة الأولى في مناطق نفوذ حزب الله ورفعت شعارات ضد سلاحه هي ترجمة للواقع اللبناني، الذي يرفض هيمنة إيران عبر حزب الله، مرجحا أن تتوسع دائرة الاعتراض في المرحلة المقبلة في مناطق الحزب.

وأضاف "هناك أسئلة كثيرة ترفع داخل بيئة حزب الله، أهمها: إلى أين نحن ذاهبون بينما سقوط الدولة والاقتصاد لن يستثني أي طرف بل سيشمل الجميع؟".

ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول مظاهرات شعبية غير مسبوقة، بدأت على خلفية مطالب معيشية، وبدأ الحراك معبراً عن الطوائف والمناطق، ومصراً على مطلب رحيل الطبقة السياسية.

وتحت ضغط الشارع قدم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولم تتمكن القوى السياسية من التوافق على تسمية خلف له حتى الآن، في وقت يطالب المتظاهرون بتشكيل حكومة تضم مستقلين عن الأحزاب السياسية والسلطة الحالية.