مكافحة تمويل الإرهاب تتجاوز إدراج قائمة من الأسماء في أنظمة البنوك المحلي والدولية لتجميد أو مصادرة هذه الأموال.
في عام 2003 ومع اكتساب القاعدة لصيتها الدموي خرج نائب وزير الخارجية الأمريكي ريتشارد أرميتاج بتصريح تردد صداه كثيراً حينها قائلاً: لو كان للإرهاب فريق سيكون حزب الله الفريق الأساسي وتنظيم القاعدة هو الرديف! يومها كان حزب الله يشغل ٧ مقاعد في البرلمان اللبناني في الحكومة التي ترأسها الرئيس الراحل رفيق الحريري.
أعلنت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وحلفاؤهما في مركز استهداف تمويل الإرهاب عن تصنيف حزب الله اللبناني وعشر شخصيات بارزة في الحزب على قائمة الإرهاب، منها حسن نصر الله ونعيم قاسم، وينتج عن ذلك تطبيق عقوبات وإجراءات ضد هذا الكيان المدعوم من إيران.
مع أهمية هذه العقوبات التي تستهدف الشريان الأساسي للإرهاب وهو المال، إلا أنها وحدها لا تكفي، ولا يجب تصور أنه من خلال هذه العقوبات سيعلن حزب الله إفلاسه، فمكافحة تمويل الإرهاب تتجاوز إدراج قائمة من الأسماء في أنظمة البنوك المحلية والدولية لتجميد أو مصادرة هذه الأموال
على الصعيد الدولي اختلفت الدول في تصنيفها لحزب الله باعتباره منظمة إرهابية، فهناك من الدول من اعتبر الجناح العسكري فقط منظمة إرهابية مثل المملكة المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، وهناك دول أخرى استشفت الخطر الذي يشكله هذا التنظيم فصنفت الحزب ككل باعتباره إرهابياً، ويشمل ذلك المكتب السياسي ومجلس شورى الحزب والمكتب الإعلامي فضلاً عن الجناح العسكري، وهذا ما قامت به دول عديدة منها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ودول الخليج العربي، وتوجد بعض الأنظمة "الثورجية" التي تعترف وتشرعن التعامل مع حزب الله مثل روسيا وفنزويلا وكوبا وغيرها، من الأنظمة التي تريد بذلك مناكفة الولايات المتحدة الأمريكية.
تفاوت درجة التصنيف وتأخره يعود إلى عدد من العوامل المهمة، أولها الحضور السياسي والشعبي لحزب الله على الساحة اللبنانية في العقود الماضية مع ضعف الدولة المركزية في لبنان، وإنشاء حزب الله دولة ظل وتسليحا متطورا وشبكة خدمات تعليمية وصحية بتمويل إيراني، تتفوق فيه على خدمات الدولة اللبنانية، ولتوضيح الصورة فإن حزب الله يدير وينفق على ما يزيد على ٥٠ مستشفى ومركزا صحيا في مناطق نفوذه!
شبكة الخدمات هذه سهلت الوصول لقاعدة شعبية عريضة مكنته من خلالها ومن خلال التحالفات الأساسية مع الأحزاب اللبنانية ذات المصلحة مع النظامين السوري والإيراني أو الخائفة من سلاح الحزب المسلط على خصومه إلى الوصول إلى أغلبية المقاعد في مجلس النواب اللبناني، الأمر الذي يربك الدول في تعاملها مع الدولة اللبنانية، فهل هي تتعامل مع نظام سياسي أو منظمة إرهابية مسيطرة على قرار هذه الدولة؟ وماذا عن الأصوات الشعبية التي تضفي الشرعية للحزب؟ وكيف سيتم التعامل مع الحكومة الخاضعة لأوامر الحزب في حال ما تم تصنيفه إرهابياً، واعتباره ورقة مفاوضات استخدمتها إيران في اتفاقها النووي المنحل؟ وغير ذلك من الاعتبارات السياسية التي تدخل تصنيف الحزب باعتباره منظمة إرهابية.
مع أهمية هذه العقوبات التي تستهدف الشريان الأساسي للإرهاب، وهو المال، إلا أنها وحدها لا تكفي، ولا يجب تصور أنه من خلال هذه العقوبات سيعلن حزب الله إفلاسه، فمكافحة تمويل الإرهاب تتجاوز إدراج قائمة من الأسماء في أنظمة البنوك المحلي والدولية لتجميد أو مصادرة هذه الأموال، ومن البديهي أن حسن نصر الله ليس له حساب باسمه في الولايات المتحدة الأمريكية أو في دول الخليج، بل يجب فهم مصادر التمويل المشروعة وغير المشروعة وشبكات غسيل الأموال وطرق التهريب والعمل على تتبع وإسقاط هذه الشبكات.
وإذا كان المتابع يعلم بالدور الإيراني في تمويل الحزب فتجدر الإشارة إلى أن العديد من الباحثين يعتقدون بأن حزب الله وصل إلى مرحلة الاكتفاء المالي، حيث يمكنه متابعة تمويل عملياته دون الاعتماد على أي تمويل من النظام الإيراني!
ترجع أهمية هذه الخطوة في نقطتين أولاً: أنها تأتي بالتوازي مع خطوات دولية تستهدف إيران وأذرعها في المنطقة أهمها انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ومن ثم عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية وأنباء عن تشكيل تحالف ضد إيران، وتصريحات ميركل الأخيرة بأن الاتفاق النووي لم يكن مثالياً.
ثانياً: إن رهان إيران على موقف قطر المتردد قد خاب، فمكالمة واحدة من وزير الخارجية الأمريكي كانت كفيلة بحسم الموقف القطري.
الانتصارات المتتالية للتحالف العربي في اليمن، وانسحاب ترامب من الاتفاق النووي لإعادة التفاوض عليه أو إعادة العقوبات، وخسارة المالكي في الانتخابات العراقية، وسقوط مشروعه الإيراني في العراق، وتلقي القوات الإيرانية في سوريا ضربات جوية متتالية، وانهيار الريال الإيراني والسخط الشعبي المتنامي، وخسارة إيران حليفها الباليستي كوريا الشمالية، وحتى فرحة إيران بفوز كتلتها السياسية في لبنان لم تكتمل مع إدراج حزب الله في قائمة الإرهاب، كل هذه المعطيات تشير إلى أن نظام الملالي يعيش اليوم أسوأ أيامه.
اليوم وبعد ١٥ سنة من تصريح ريتشارد أرميتاج.. ماذا سوف يكون تصريحه لو علم بأن حزب الله وحلفاءه اختطفوا القرار السياسي اللبناني، وبلغ مصدر دخلهم السنوي ١.١ مليار دولار أمريكي، كما وصل تسليحهم وتدريبهم المتطور لامتلاك ذخيرة نوعية، تمكنوا من خلالها إنقاذ النظام السوري من السقوط، وإرسال خبرائهم إلى اليمن لتدريب مليشيا الحوثي على إطلاق الصواريخ الباليستية!
بذلك كله حزب الله لا يشكل فقط "الفريق الأول" وإنما الوجه الأكمل للإرهاب!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة