تحت رعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حفظه الله، شهدت دولة الإمارات حدثاً مفصلياً في تاريخها بإطلاق مشروع القطار فائق السرعة الذي سيربط أبوظبي العاصمة بدبي.
وذلك بحضور الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، والشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم، ولي عهد دبي. هذا المشروع الضخم، الذي تنفذه شركة "قطارات الاتحاد"، ليس مجرد خط حديدي، بل هو تحول استراتيجي يعكس رؤية الإمارات الطموحة لبناء مستقبل قائم على التكامل الاقتصادي والاجتماعي والاستدامة البيئية.
فذلك القطار السريع يمثل نقلة نوعية في مفهوم التنقل داخل الدولة، حيث سيختصر زمن الرحلة بين أبوظبي ودبي إلى ما يقارب النصف ساعة، مُحسناً بذلك جودة الحياة اليومية لآلاف المواطنين والمقيمين عبر تقليل الاعتماد على المركبات الخاصة وتخفيف الازدحام المروري والانبعاثات الكربونية. لكن الأثر يتجاوز الراحة الفردية؛ فالمشروع يُعتبر محركاً للنمو الاقتصادي الشامل، حيث يتوقع خبراء الاقتصاد أن يسهم في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، خاصة في قطاعي السياحة والعقارات، إذ ستشهد المناطق المحيطة نمواً في الطلب السكني والتجاري.
لا تقتصر القيمة المضافة لهذا المشروع على السرعة الفائقة، بل يتجلى في التزامه بمعايير الاستدامة التي تتبناها الإمارات. فباستخدام تقنيات متطورة تعتمد على الطاقة النظيفة، سيُخفض القطار الانبعاثات الكربونية بنسبة كبيرة مقارنة بوسائل النقل التقليدية، مساهماً في تحقيق أهداف "مئوية الإمارات 2071" الرامية إلى أن تكون الدولة نموذجاً عالمياً في الاقتصاد الأخضر.
ويُعد القطار نموذجاً للبنية التحتية الذكية، حيث سيعتمد على أنظمة تشغيل متطورة تربطه بشبكة النقل العامة، مما يضمن تكاملاً سلساً مع الحافلات الكهربائية ومركبات المستقبل ذاتية القيادة. هذا التوجه يعكس استراتيجية الدولة لتصبح مركزاً إقليمياً للابتكار التكنولوجي، وفق رؤية القيادة التي تضع الاستدامة في صلب أولوياتها.
كما يتخطى المشروع دوره كوسيلة نقل ليصبح أداة للتماسك الاجتماعي. فبتقريبه المسافات بين مدن الدولة، سيسهل الوصول إلى المزيد من التنوع في الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والخدمات اللوجستية الأخرى كما أنه سيتيح نمطاً مجتمعياً وثقافياً جديداً يعتمد على استخدام النقل العام الذكي.
يُجسد هذا الإنجاز رؤية القيادة الإماراتية في بناء اقتصاد متنوع، لا يعتمد على النفط فحسب، بل على الابتكار والتكنولوجيا. فالمشروع ليس مجرد بنية تحتية، بل هو جزء من مسيرة طويلة لتعزيز الوحدة الوطنية، وخلق نموذج تنموي فريد يجمع بين الطموح الاقتصادي والحفاظ على البيئة.
بإطلاق هذا القطار، ترسم الإمارات مرة أخرى ملامح مستقبل يُلهم العالم، حيث التكنولوجيا تُسخر لخدمة الإنسان، والاقتصاد ينمو متوازناً مع حماية البيئة. المشروع ليس نهاية المطاف، بل هو بداية لمشاريع أكبر ستربط المزيد من مدن الدولة. كما يؤكد المشروع ريادة الإمارات في السباق العالمي نحو الاستدامة، حيث تُقدم للعالم دليلاً عملياً على إمكانية تحقيق النمو وطرح المزيد من الوظائف دون إغفال المسؤولية البيئية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة