تاريخ دستور الكويت.. من التأسيس للتعديل
أمر أميري كويتي فتح الباب واسعا أمام إجراء تعديلات في دستور البلاد، ستكون الأولى من نوعها في تاريخ البلاد.
ومنذ إقراره عام 1962، باعتباره الوثيقة الأساسية التي تحدد نظام الدولة وتنظم العلاقة بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، لم تجرِ أي تعديلات على دستور الكويت.
لكن في السنوات الأخيرة، بدأت ترتفع أصوات بين الفينة والأخرى عبر وسائل الإعلام، تطالب بأهمية إجراء تعديلات في الدستور، ليتوافق مع الواقع السياسي بعد أن شهد الواقع العملي توترا مستمرا في العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وتعيش الكويت أزمات متتالية منذ سنوات بسبب الخلافات المستمرة بين الحكومات المتعاقبة والبرلمانات المتتالية، الأمر الذي عاق جهود الإصلاح الاقتصادي وعطل كثيرا المشاريع التنموية التي تحتاجها البلاد.
وأصدر أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، مساء الجمعة، أمرا يتم بموجبه حل مجلس الأمة ووقف العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات.
يتم خلال تلك الفترة- بموجب الأمر الأميري- دراسة الممارسة الديمقراطية في البلاد وعرض ما تتوصل إليه الدراسة على أمير البلاد لاتخاذ ما يراه مناسبا.
القرار الصعب
أمر وصفه الأمير في خطاب وجهه بـ"القرار الصعب"، إلا أنه بين أهمية اتخاذه "لتصحيح المسيرة ومعالجة الاعوجاج وسد النواقص التي كشف عنها التطبيق العملي لنصوص الدستور طوال 62 عاما الماضية دون تعديل".
وقال أمير الكويت في خطابه: "لن أسمح على الإطلاق أن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة لأن مصالح أهل الكويت التي هي فوق الجميع أمانة في أعناقنا علينا واجب صونها وحمايتها".
ووجه الشيخ مشعل انتقادات شديدة لبعض أعضاء مجلس الأمة، مشيرا إلى أنهم قاموا بإساءة استخدام الأدوات الدستورية "إساءة بالغة".
وفصل الأمير في خطابه، نماذج لتلك الإساءة، من قبيل تعطيل تشكيل الحكومة.
وبعد الانتخابات البرلمانية التي شهدتها الكويت 4 أبريل/نيسان الماضي، أصدر أمير الكويت يوم 15 من الشهر نفسه أمرا أميريا بتعيين الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح رئيسا لمجلس الوزراء بالكويت، إلا أنه لم يستطع حتى الآن تشكيل الحكومة، بسبب رفض أعضاء مجلس الأمة الدخول في الحكومة، حيث تنص المادة 56 من الدستور على أن "يكون تعيين الوزراء من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم".
ولفت أمير الكويت أيضا في كلمته إلى "الإفراط في استخدام حق الاستجواب في كل صغيرة وكبيرة مما أهدر القيمة الحقيقية لهذا الحق بوصفه أداة راقية للمساءلة والمحاسبة وليس وسيلة للابتزاز والتهديد أو طريقا للحصول على مكاسب أو منافع شخصية فليس لهذه الأغراض أقر الدستور أداة الاستجواب".
كما بين أن الأمر وصل إلى "تمادي البعض بالتدخل في صميم اختصاصات الأمير وفي اختياره لولي عهده".
وقال: "اضطراب المشهد السياسي في البلاد وصل إلى مرحلة لا يمكنني السكوت عنه. إن الواجب يفرض علينا أن نبادر إلى اتخاذ جميع الوسائل الضرورية لتحقيق المصلحة العليا للبلاد".
وبين أن تلك الممارسات وضعت البلاد "أمام موقف دستوري لا بد من العمل على معالجة أسبابه والحيلولة دون تكرارها في المستقبل حرصا على مصالح البلاد والعباد".
تعديل الدستور
وبين أن "الدستور بوصفه وثيقة تقدمية تستجيب لمتطلبات الحياة ومتغيراتها يجد متنفسه بانسجامه مع الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية والأخلاقية السائدة في المجتمع لابد له من التوافق مع الظروف المستجدة في قدرته على استيعابها ليكون منفذا له في الاستمرار كأداة تحكم واقع المجتمع وتكويناته فإذا ما أغلقت كل المنافذ في وجهه فلا يمكن له القيام بدوره المنشود كما يرتضيه الشعب وقيادته".
وأضاف: "ويصبح من الواجب التدخل وقبل فوات الأوان لتصحيح المسيرة ومعالجة الاعوجاج وسد النواقص التي كشف عنها التطبيق العملي لنصوصه طوال الـ62 عاما الماضية دون تعديل".
وبين أن "الدستور الكويتي سمح بتعديله وإعادة النظر في أحكامه بعد مرور 5 سنوات من العمل به".
وأردف: "فكيف يجمد تعديل الدستور وهو يسمح بإعادة النظر بأحكامه؟.. ولأجل تحقيق هذا الهدف في وقف الانحدار والحيلولة من أن نصل إلى مرحلة الانهيار.. لذلك أمرنا بالآتي: حل مجلس الأمة ووقف بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد على أربع سنوات يتم خلالها دراسة جميع جوانب المسيرة الديمقراطية ورفع نتائج الدراسة والمراجعة لنا.. لاتخاذ ما نراه مناسبا."
وأصدر الأمير أمرا نص على أنه "يوقف العمل بالمواد 51 و56 (فقرة 2 و3) و71 (فقرة 2) و 79 و 107 و 174 و 181 من الدستور. وذلك لمدة لا تزيد على أربع سنوات يتم خلالها دراسة الممارسة الديمقراطية في البلاد وعرض ما تتوصل إليه الدراسة علينا لاتخاذ ما نراه مناسبا".
بالنظر إلى الأمر الأميري فإن المواد التي سيتم وقف العمل بها لمدة 4 سنوات يبلغ عددها 7 مواد من إجمالي مواد الدستور البالغة 183 مادة.
أيضا فإن كل المواد التي سيتم وقف العمل بها تتعلق بمجلس الأمة وبالممارسات السلبية التي أشار لها الأمير في خطابه وبين أنه سيتم "معالجتها والحيلولة دون تكرارها في المستقبل".
محطات تاريخية
وبعد نحو شهرين من استقلال الكويت يونيو/حزيران 1961، أصدر أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح في 26 أغسطس/آب 1961 مرسوما أميريا يتعلق بالنظام الأساسي لفترة الانتقال وإجراء انتخابات للمجلس التأسيسي الذي يهدف إلى وضع دستور دائم للبلاد.
وفي يناير /كانون الثاني عام 1962 ألقى الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم كلمة في افتتاح المجلس التأسيسي قال فيها "بسم الله العلي القدير نفتتح أعمال المجلس التأسيسي الذي تقع على عاتقه مهمة وضع أساس الحكم في المستقبل".
وفي الجلسة السادسة من عمر المجلس التأسيسي تم تشكيل لجنة الدستور ضمت خمسة أعضاء.
وعرضت اللجنة المشروع النهائي للدستور على المجلس التأسيسي الذي أقره بإجماع أعضائه في جلسة عقدت في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 1962 ثم قدم المجلس مشروع الدستور إلى الشيخ عبدالله السالم الذي صادق عليه وأصدره في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1962 وفق الصورة التي أقرها المجلس ونشر في الجريدة الرسمية في اليوم التالي لصدوره.
دستور الكويت
ويتألف الدستور الكويتي من 183 مادة موزعة على خمسة أبواب أولها عن الدولة ونظام الحكم والثاني عن المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي والثالث عن الحقوق والواجبات العامة.
ويتطرق الباب الرابع إلى السلطات ويشتمل على خمسة فصول الأول عن الأحكام العامة والثاني عن رئيس الدولة والثالث عن السلطة التشريعية والرابع عن السلطة التنفيذية والخامس عن السلطة القضائية فيما احتوى الباب الخامس من الدستور على الأحكام العامة والمؤقتة.
مجلس الأمة
وأجريت أول انتخابات برلمانية شاملة في الكويت بموجب أحكام الدستور الجديد لاختيار أعضاء مجلس الأمة في يناير/كانون الثاني 1963 وكانت إيذانا ببدء الممارسة السياسية تحت ظل أحكام الدستور الوليد.
ومرت المسيرة الديمقراطية في الكويت بالعديد من المحطات والأزمات السياسية تراوحت حدتها وشدتها ومدتها على مدار العقود المتعاقبة، حتى صدور أمر أميري مساء الجمعة فتح الباب أمام تعديل الدستور لتلافي أية أزمات مستقبلا.