ما الذي يوقظ فيروس الإيدز النائم؟ اكتشاف دور غير متوقع للدماغ
كشفت دراسة علمية دولية حديثة أن جزيئات دقيقة يفرزها الدماغ قد تلعب دورا حاسما في إعادة تنشيط فيروس الإيدز.
ولا تزال عدوى فيروس نقص المناعة البشرية ، المسبب لمرض الإيدز، تمثل تحديا صحيا عالميا، إذ يُقدر عدد المصابين به بنحو 40 مليون شخص حول العالم.

ويهاجم الفيروس الجهاز المناعي، ما يجعل المصابين أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، ورغم عدم التوصل إلى علاج شافٍ حتى الآن، فإن العلاجات المضادة للفيروسات تتيح للمرضى حياة طويلة وصحية، عبر إبقاء الفيروس في حالة خمول داخل الخلايا.
غير أن هذا الخمول ليس دائماـ فمع توقف العلاج يمكن للفيروس أن يستيقظ مجددا، مسببا تدهورا حادا في المناعة. وفي هذا السياق، كشفت دراسة علمية جديدة أن الدماغ نفسه قد يلعب دورا محوريا في إعادة تنشيط الفيروس أو كبحه.
وأجرى باحثون من كلية نيويورك الطبية، والمركز الوطني لأبحاث الرئيسيات في تكساس، وجامعة آيوا، دراسة حديثة نُشرت في دورية " موليكيولر سيكتري"، بحثوا فيها تأثير جزيئات دقيقة يفرزها الدماغ على استمرار فيروس نقص المناعة البشرية في حالته الكامنة.
وأوضح الباحثان الرئيسيان في الدراسة، تشيوما أوكيما وماهيش موهان، أن اهتمام الفريق انصب على جسيمات خارج خلوية دقيقة، تحمل جزيئات وبروتينات، وتفرزها الخلايا في محيطها. وتنقسم هذه الجسيمات إلى نوعين: حويصلات محاطة بغشاء، وأخرى غير محاطة بغشاء تُعرف بـ"المكثفات خارج الخلوية".

واعتمد الفريق على نموذج حيواني، حيث جمع هذه الجسيمات من أدمغة قرود المكاك المصابة بفيروس SIV، وهو النظير الحيواني لفيروس الإيدز، وقارنها بعينات من قرود غير مصابة. وللتغلب على صعوبات فصل هذه الجسيمات بدقة، طوّر الباحثون تقنية جديدة أطلقوا عليها "الكروماتوغرافيا السائلة للتنقية PPLC)"، سمحت بعزلها بدرجة عالية من الموثوقية.
وأظهرت النتائج أن المكثفات المستخلصة من أدمغة القرود المصابة وغير المعالجة أعادت تنشيط الفيروس الكامن بقوة، ما أدى إلى زيادة نشاط الجينات الفيروسية وانتقال العدوى بين الخلايا. في المقابل، لوحظ أن الجسيمات المأخوذة من أدمغة قرود مصابة لكنها خضعت لعلاج بمركبات القنب ساهمت في كبح هذا التنشيط.
وأشار الباحثون إلى أن هذه المركبات معروفة بتأثيرها المضاد للالتهاب العصبي، وأنها تبدو قادرة على تعديل محتوى الجسيمات الدماغية الدقيقة، بما ينعكس على قدرتها في التحكم بخزانات الفيروس الكامنة داخل الدماغ.

وتشير هذه النتائج إلى أن كيمياء الدماغ لا تكتفي بدور ثانوي، بل قد تكون عنصرا فاعلًا في تحديد مصير الفيروس بين الخمول والنشاط. ويرى الباحثون أن هذا الاكتشاف قد يفتح الباب أمام استراتيجيات علاجية جديدة تستهدف الخزانات الفيروسية، وهي العقبة الأكبر أمام القضاء النهائي على الفيروس.
ويعمل الفريق حاليًا على دراسة الآليات الجزيئية الدقيقة وراء هذه الظاهرة، إلى جانب بحث إمكانية استخدام هذه الجسيمات كوسيلة مستقبلية لتوصيل الأدوية، فضلًا عن استكشاف دورها في شيخوخة الدماغ والأمراض العصبية التنكسية.