صناع النجاح يروون قصة 6 سنوات من الكفاح حتى انطلاق مسبار الأمل
العد التنازلي لإطلاق مسبار الأمل في محطة التحكم الأرضية في الخوانيج، انطلق باللغة العربية وهي سابقة في تاريخ المهمات الفضائية
انطلق مسبار الأمل فعلياً نحو المريخ لتصنع دولة الإمارات إنجازاً فضائيا هو الأول من نوعه في المنطقة، بعدما نجحت عملية إطلاق مسبار الأمل فجر الإثنين في الساعة 01:58 بتوقيت الإمارات، من مركز تانيغاشيما للفضاء في اليابان.
وانفصل مسبار الأمل عن صاروخ الإطلاق بنجاح، واستقبلت محطة التحكم الأرضية في مركز محمد بن راشد للفضاء في الخوانيج بدبي أول إشارة من المسبار.
كما تلقى المسبار أول أمر من المحطة الأرضية، وذلك بفتح الألواح الشمية وتشغيل أنظمة الملاحة الفضائية وإطلاق أنظمة الدفع الصاروخي، فيما يشكل بداية رحلة المسبار إلى المريخ.
ويتوقع أن تستغرق الرحلة 7 أشهر، يقطع خلالها المسبار 493 مليون كيلومتر، بحيث يتوقع أن يصل إلى مدار الكوكب الأحمر في الربع الأول من العام 2021، بالتزامن مع احتفال دولة الإمارات بذكرى خمسين عاماً على إعلان الاتحاد.
وانطلق العد التنازلي للإطلاق، في محطة التحكم الأرضية في الخوانيج، باللغة العربية وهي سابقة في تاريخ المهمات الفضائية.
وكانت عملية إطلاق المسبار تأجلت مرتين، الأولى في 15 يوليو/تموز والثانية في 17 منه، لكن تم تأجيل العملية في المرتين بسبب عدم اضطراب الأحوال الجوية في اليابان مع تشكل سحب ركامية كثيفة وعبور تيارات هوائية متجمدة، ليتم اختيار فجر الإثنين 20 يوليو/تموز موعداً مثالياً للمضي قدماً في العملية، وذلك قبل إغلاق نافذة الإغلاق المتاحة حتى 3 أغسطس/آب 2020.
ويأتي الإطلاق الناجح لمسبار الأمل تتويجاً لجهود المهندسين والمهندسات من الكوادر الإماراتية العلمية، من وكالة الإمارات للفضاء ومركز محمد بن راشد للفضاء، سواء أولئك الموجودين في مركز الإطلاق باليابان، أو المتمركزين في محطة التحكم الأرضية بالخوانيج.
واستطاع الفريق أن ينجز جميع التفاصيل النهائية والاختبارات والتجارب والمهام العلمية المتعلقة بالمسبار في وقت قياسي، مع تسارع العمل على المشروع في الشهور الأخيرة، للتغلب على العوائق اللوجستية والتحديات الفنية التي فرضها وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19).
منعطف تاريخي
وقال الدكتور أحمد بالهول الفلاسي وزير دولة الإمارات لريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، رئيس مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء: "إطلاق مسبار الأمل يشكل منعطفاً تاريخياً في مسيرة الإمارات التنموية، كونه يدشن حقبةً جديدة من التفوق العلمي والتكنولوجي في دولة الإمارات والعالم العربي، ويرسخ سمعة الإمارات بوصفها الأكثر تطوراً في المنطقة في علوم الفضاء والصناعات الفضائية".
وأضاف: "مسبار الأمل بلا شك خطوة كبيرة في برنامج الفضاء الإماراتي الطموح. لقد كنا محط أنظار العالم على مدى شهور عدة، حيث انتظر العلماء والخبراء في كل مكان معرفة ما إذا بإمكاننا تحقيق هذا الإنجاز".
وأوضح: "إنجازنا لا يتمثل فقط في الإطلاق الناجح لمسبار الأمل، وإنما في تأهيل كوادر علمية من أبناء وبنات الوطن للعمل على المشروع، وتصميم وبناء المسبار في 6 سنوات فقط.. وها نحن اليوم ندع إنجازنا يتحدث عنا".
وتابع: يعد "مسبار الأمل" مشروعاً وطنياً يترجم رؤية قيادة دولة الإمارات لبناء برنامج فضائي إماراتي يعكس التزام الدولة بتعزيز أطر التعاون والشراكة الدولية بهدف إيجاد حلول للتحديات العالمية من أجل خير الإنسانية.
ويحمل "مسبار الأمل" وهو أول مشروع عربي لاستكشاف الكواكب الأخرى رسالة أمل لكل شعوب المنطقة لإحياء التاريخ الزاخر بالإنجازات العربية والإسلامية في العلوم.
ويجسد المشروع كذلك طموح دولة الإمارات وسعي قيادتها المستمر إلى تحدي المستحيل وتخطيه وترسيخ هذا التوجه قيمة راسخة في هوية الدولة وثقافة أبنائها كما يعد مساهمة إماراتية في تشكيل وصناعة مستقبل واعد للإنسانية.
وأشار إلى أن أحد أهم أهداف مشروع "مسبار الأمل" هو تطوير برنامج فضائي وطني قوي وبناء موارد بشرية إماراتية عالية الكفاءة في مجال تكنولوجيا الفضاء، وتطوير المعرفة والأبحاث العلمية والتطبيقات الفضائية التي تعود بالنفع على البشرية.
ويهدف المشروع كذلك إلى التأسيس لاقتصاد مستدام مبني على المعرفة وتعزيز التنويع وتشجيع الابتكار، والارتقاء بمكانة الإمارات في سباق الفضاء لتوسيع نطاق الفوائد، وتعزيز جهود الإمارات في مجال الاكتشافات العلمية، وإقامة شراكات دولية في قطاع الفضاء لتعزيز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأكد أن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ حقق بالفعل عدداً من أهدافه أبرزها زيادة الوعي بأهمية الفضاء علومه، وهو ما من شأنه زيادة اهتمام الطلبة بالانخراط في هذا القطاع الحيوي سريع النمو، والاستفادة من المساقات التعليمية التي توفرها حالياً ثلاث من الجامعات في الإمارات.
ولفت إلى أن هناك ثلاث جامعات أخرى في الطريق إلى استحداث مساقات وبرامج أكاديمية مرتبطة بالقطاع الفضائي،.
ويوجد في الإمارات حاليا خمسة مراكز بحثية متخصصة في علوم الفضاء، والأكثر من ذلك أن دولة الإمارات أصبح لديها كوادر وطنية مؤهلة لقيادة القطاع الفضائي متمثلة في 200 مهندس ومهندسة عملوا على مدار السنوات الست الماضية على تطوير مسبار الأمل بالتعاون مع الشركاء العلميين للمشروع واكتسبوا خبرات ومعارف يمكنهم نقلها ومشاركتها مع أقرانهم من أبناء وبنات الوطن.
من جانبها، هنأت سارة الأميري، وزيرة دولة للتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات، وقائد الفريق العلمي لمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ "مسبار الأمل"، قيادة الإمارات وأعضاء فريق عمل مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ ووكالة الإمارات للفضاء ومركز محمد بن راشد للفضاء على هذا النجاح الباهر.
وقالت: "الإطلاق الناجح لمسبار الأمل يعد تتويجاً لجهود مهندسينا الذين عملوا على هذا المشروع، وجعلوه مرتكز أحلامهم وطموحاتهم، تقف وراءهم قيادة آمنت بشبابها ودعمتهم ووفرت لهم كل الإمكانات والموارد كي يعملوا ويطورا ويتميزوا ويتفوقوا".
وأكدت أن "مسبار الأمل يضيف بُعداً مهماً إلى أنشطة القطاع الفضائي الإماراتي رغم حداثة عهده".
ولفتت إلى أن "مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ يضمن للإمارات مكانة رائدة ضمن نادي الدول صاحبة الإنجازات الفضائية، وهو ناد نخبوي متاح للدول التي تعانق طموحاتها السماء كدولتنا".
صناعة المستقبل
بدوره، قال حمد عبيد المنصوري، رئيس مجلس إدارة مركز محمد بن راشد للفضاء: "الإطلاق الناجح لمسبار الأمل يرسخ المكانة التي استحقتها دولة الإمارات إقليمياً وعالمياً خلال فترة وجيزة بخطوات متتالية جعلت منها لاعباً رئيساً في علوم الفضاء في المنطقة."
وأضاف المنصوري أن "الإنجازات المرحلية ضمن مشروع مسبار الأمل والتي جرى تتويجها بنجاح عملية الإقلاع هي نتاج عمل فريق مبدع من خيرة الكفاءات الإماراتية من علماء ومهندسين وباحثين وتقنيين يعملون ضمن فريق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ".
وأكد أن "مسبار الأمل وغيره من المشاريع الفضائية المستقبلية تستهدف ترسيخ مكانة الإمارات على خريطة العلم والتقدم والازدهار بفضل الدعم المتواصل واللامحدود من القيادة الحكيمة الساعية إلى الاستثمار في صناعة مستقبل أفضل لشعبها وتمكين أبنائها وبناتها".
من ناحيته، قال الدكتور محمد ناصر الأحبابي، مدير عام وكالة الامارات للفضاء: "من خلال انطلاق مسبار الأمل في رحلته التاريخية إلى المريخ، فإننا نعيش حدثاً مهماً سيكتبه التاريخ بحروف مضيئة ضمن قصة الإمارات الملهمة كدولة لا تعرف المستحيل".
وتابع: "ضمن رؤيتها الاستراتيجية بعيدة المدى تسعى الإمارات إلى الاستثمار في قطاع علوم الفضاء بصورة أكبر، من خلال بناء وتأهيل كوارد بشرية إماراتية عالية الكفاءة في مجال تكنولوجيا الفضاء، وتعزيز جهود الإمارات في مجال الاكتشافات العلمية، بما يسهم في التأسيس لاقتصاد مستدام قائم على المعرفة".
وأشار إلى أن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ والإطلاق الناجح لمسبار الأمل في رحلته التاريخية إلى الكوكب الأحمر يعد نقطة تحول في خطط التنوع الاقتصادي التي تنفذها الدولة منذ سنوات استعداداً لاقتصاد ما بعد النفط القائم على المعرفة والابتكار.
وتابع أن الإمارات تمكنت منذ تأسيس وكالة الإمارات للفضاء من استحداث قطاع فضائي يتمتع بأفضل بنية تحتية وبيئة تشريعية في المنطقة ما يجعله جاذباً للاستثمارات المحلية والإقليمية والعالمية.
وقال: "يعكس مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ رؤية دولة الإمارات نحو المستقبل وهو مستقبل ما بعد النفط، حيث يتوج جهود الدولة في بناء موارد بشرية من الإماراتيين عالية الكفاءة في مجال تكنولوجيا الفضاء، وتطوير المعرفة والأبحاث العلمية والتطبيقات الفضائية التي تعود بالنفع على البشرية، والتأسيس لاقتصاد مستدام مبني على المعرفة وتعزيز التنويع وتشجيع الابتكار وذلك باعتبار الموارد البشرية هي الثروة الحقيقية للبلاد".
وأكد أن القطاع الفضائي في الإمارات يكسب أرضاً جديدة يوماً بعد يوم بفضل ما يتمتع به من بنية تحتية متطورة، وكذلك من بنية تشريعية مرنة وجاذبة للاستثمار، وبدعم من قيادة الإمارات ورؤيتها الاستشرافية لازدهار القطاع.
ولفت إلى أن قطاع الفضاء في الإمارات تطور في سنوات محدودة ليشمل حالياً: 10 أقمار اصطناعية مدارية، و8 أقمار اصطناعية جديدة قيد التطوير، كما استثمرت الإمارات 6 مليارات دولار (نحو 22 مليار درهم) بقطاع الفضاء، وهناك أكثر من 50 شركة ومؤسسة ومنشأة فضائية داخل الإمارات بما في ذلك شركات عالمية وشركات ناشئة، كما أصبح قطاع الفضاء في الدولة يضم أكثر من 3100 موظف، 34% منهم نساء.
وأضاف أن الإطلاق الناجح لمسبار الأمل من شأنه تعزيز التعاون الفضائي العربي كونه مشروعاً عربياُ وليس إماراتياً فقط، وذلك تحت مظلة المجموعة العربية للتعاون الفضائي التي تضم في عضويتها 14 دولة عربية والتي تقوم حالياً بتطوير القمر الصناعي 813 بسواعد عربية.
كما أن برنامج نوابغ الفضاء العرب الذي جرى إطلاقه مؤخراً من شأنه استقطاب المزيد من العقول والكفاءات العربية للعمل في هذا المجال الواعد ،وبما يرسخ مكانة القطاع الفضائي الإماراتي بصفته الأكبر والأكثر تطوراً ونشاطاً في المنطقة.
لا شيء مستحيل
إلى ذلك، أكد يوسف حمد الشيباني، مدير عام مركز محمد بن راشد للفضاء، أن: "نجاح انطلاق مسبار الأمل يدشن حقبة جديدة في مجال استكشاف الفضاء الخارجي على مستوى دول المنطقة، وهي حقبة تقودها دولة الإمارات التي تفتح أياديها لكل المواهب والخبرات والطاقات العلمية العربية كي تكون جزءاً من الطموح الإماراتي الفضائي".
وتابع بقوله: "ما سيقدمه مسبار الأمل للبشرية سيشكل ثروة علمية هائلة، تتيح للمجتمع العلمي العالمي قراءة تفصيلية لمناخ الكوكب الأحمر بما يسهم في فهم ما تعرض له على مدى تاريخه من تغيرات مناخية، لمساعدة العلماء على استقصاء إمكانية الحياة على المريخ، وفي الوقت نفسه مقارنة القراءات المناخية المريخية مع الظروف المناخية على الأرض، كي نكون أقدر على التعامل مع التحديات الحالية والمستقبلية التي قد يواجهها كوكبنا الأم".
فريق مسبار الأمل
وأشرف فريق من المهندسين والفنيين من الكوادر الإماراتية الشابة على التجهيزات النهائية في مركز الإطلاق باليابان قبيل إقلاع المسبار إلى الفضاء.
ويضم الفريق، الذي تقوده سارة الأميري، كلاً من سهيل الظفري المهيري نائب مدير المشروع ومدير فريق تطوير المسبار وقائد فريق العمل في اليابان، وعمر الشحي مدير فريق الإطلاق، ومحسن العوضي مدير المخاطر، ويوسف الشحي مهندس الأنظمة الحرارية، وخليفة المهير، مهندس أنظمة الاتصالات، وعيسى المهيري مهندس أنظمة الطاقة، وأحمد اليماحي مهندس الأنظمة الميكانيكية، ومحمود العوضي مهندس الأنظمة الميكانيكية، ومحمد العامري مهندس أنظمة الدعم الأرضي.
كما يضم فريق العمليات والتحكم الأرضي المسؤول عن متابعة مسبار الأمل من المحطة الأرضية بمركز محمد بن راشد للفضاء في الخوانيج بدبي، نخبة من الكفاءات الوطنية في قطاع التحكم الفضائي.
ويتألف الفريق، بقيادة عمران شرف مدير مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، من المهندس زكريا الشامسي نائب مدير المشروع مسؤول إدارة العمليات والتحكم بمسبار الأمل، والمهندس علي السويدي مسؤول التحكم الملاحي وقائد فريق تطوير النموذج الهندسي لنظام مسبار الأمل، والمهندس محمد البلوشي رئيس قسم العمليات الفضائية بالوكالة ومسؤول التحكم الملاحي بالمحطة الأرضية لمسبار الأمل، والمهندس محمود الناصر رئيس تطوير برمجيات العمليات الفضائية، والمهندس عمر عبدالرحمن حسين مهندس أنظمة في مركز محمد بن راشد للفضاء وقائد فريقي تصميم المهمة والملاحة في الفضاء العميق لمسبار الأمل، والمهندس مبارك محمد الأحبابي أخصائي أول أنظمة وبرامج في وكالة الإمارات للفضاء ومسؤول تحكم بالأوامر في مشروع مسبار الأمل، والمهندس حمد الحزامي مطور برمجيات العمليات بمشروع مسبار الأمل، والمهندس ماجد اللوغاني مدير عمليات المهمة، والمهندس أحمد ولي مهندس أول وحدة عمليات الأقمار الاصطناعية ومسؤول التحكم الملاحي في مشروع مسبار الأمل.
مهمة مسبار الأمل
ومن المتوقع أن تستغرق رحلة مسبار الأمل إلى الكوكب الأحمر نحو 7 أشهر، يقطع خلالها مسافة 493 مليون كيلومتر، قبل أن يصل مدار المريخ في الربع الأول من العام 2021، بالتزامن مع احتفالات دولة الإمارات بيوبيلها الذهبي.
وسوف يظل المسبار في مدار المريخ سنة مريخية، وهو ما يعادل 687 يوماً، يجمع خلالها بيانات علمية مهمة، بحيث يوفر أول صورة شاملة عن الظروف المناخية على كوكب المريخ على مدار العام، وكيفية تغير الجو خلال فترات اليوم وبين فصول السنة، ودراسة أسباب تلاشي الطبقة العليا للغلاف الجوي للمريخ، إلى جانب تقصي العلاقة بين طبقات الغلاف الجوي الدنيا والعليا على كوكب المريخ، ومراقبة الظواهر الجوية على سطح المريخ، وتغيرات درجات الحرارة، والكشف عن الأسباب الكامنة وراء تآكل سطح المريخ، والبحث عن أي علاقات تربط بين الطقس الحالي والظروف المناخية قديماً للكوكب الأحمر.
وسيجمع مسبار الأمل هذه البيانات المهمة عن الكوكب الأحمر بحيث يتم إيداعها في مركز للبيانات العلمية في دولة الإمارات من خلال مجموعة من محطات الاستقبال الأرضية المنتشرة حول العالم، بحيث يقوم الفريق العلمي الإماراتي بفهرسة هذه البيانات وتحليلها، ومن ثم مشاركتها مجاناً مع المجتمع العلمي العالمي لما فيه فائدة الإنسانية.