الصين والمناخ.. كيف تتأثر الانبعاثات إذا تعطل مصنع العالم؟ (تحليل)
على مدار سنوات طويلة، تصدرت الصين دول العالم كأكبر منتج ومصدر للسلع، لكن قدراتها التصنيعية المذهلة تلك ارتبطت بسجل غير ناضج على مستوى الانبعاثات الكربونية.
والآن، وبينما تمر الصين بمرحلة من تباطؤ النمو، بعد سنوات من القفزات الاقتصادية الكبرى، يتتبع الخبراء مآل وانعكاس هذا التحول على التزام بكين نحو البيئة والمناخ.
وتواجه الصين مفترق طرق فيما يتعلق بما إذا كانت ستستكمل طريقها نحو الإصلاح وفتح الاقتصاد عالميا، أو تمهيد السبيل نحو المزيد من التدخل الحكومي، وفي كلا السيناريوهين يتوقع أن يكون لملف الالتزام البيئي مصيرا مختلفا.
- أكثر الدول المديونة لصندوق النقد الدولي.. بينها 4 بلدان عربية
- المناخ.. رابح غير متوقع من الصراع بين أمريكا والصين (تحليل)
وفقا لتقرير صادر عن مجلة "فورين أفيرز"، فإنه كلما أخرت بكين الإصلاحات الاقتصادية، سوف يؤدي ذلك إلي مواجهة تباطؤ لا مفر منه، وهذا النهج الاقتصادي سيكون له آثار عميقة على جهود بكين لخفض الكربون في الاقتصاد.
بكين والانبعاثات الصفرية
توقع التقرير أن تواجه الصين عراقيل في الوفاء بأهدافها المناخية إذا لم يستطع الحزب الشيوعي الصيني تبني الإصلاحات الاقتصادية واستمر في الاعتماد على النمط القديم للاستثمار كثيف الطاقة والانبعاثات لدفع النمو.
وبغض النظر عن سيناريو الاقتصاد الكلي الذي سيتم تنفيذه في الصين في السنوات المقبلة، فمن المحتمل أن تبلغ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ذروتها قبل عام 2030 مع التزام الصين المستمر ببناء بنية تحتية جديدة خالية من الكربون، مثل توربينات الرياح ومحطات الطاقة الشمسية.
واستهلكت البلاد ما يقرب من 3% إضافية من الطاقة في عام 2022 ، تم تلبية 17% منها مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة وارتفاعًا من 16% في عام 2020.
ويمثل تأخير الإصلاحات والاعتماد على النماذج الاقتصادية القديمة عراقيل أمام الصين للوصول إلى أهدافها الأوسع لكثافة الانبعاثات بحلول عام 2030، وذلك على الرغم من أن الصين تعتمد أكثر على مصادر الوقود غير الأحفوري لإنتاج الطاقة لكن مؤشر كثافة الطاقة من الناتج المحلي الإجمالي لم تعد تتجه لأسفل.
ويجب إرساء أسس هذا الانتقال الضروري الآن لأن ما يهم ليس فقط ما تقوم به الصين بشكل جيد ولكن أيضًا ما لا تفعله بشكل جيد، لضمان انتقال منظم ومنخفض التكلفة إلى انبعاثات صافية صفرية بحلول عام 2060 حيث تحتاج الصين إلى التوقف عن بناء القدرات الصناعية التي تعتمد على الفحم.
ويعد تباطؤ الصين أكثر ضررا على الدول النامية لأنها سوف تصبح أكثر تقييدًا في تقديم حزم المساعدة الإنمائية وتمويل التحول الأخضر في البلدان النامية ولذلك لن يؤثر تراجع النمو في الصين على أولوياتها المحلية فحسب ، بل سيضر أيضًا ببقية العالم.
المزيد من الإصلاحات؟
وفقا لتقرير "فورين أفيرز"، فإنه بدءًا من أواخر السبعينيات، ارتفع دخل الفرد في الصين من بضع مئات من الدولارات فقط سنويًا في عام 1978 إلى 12000 دولار اليوم.
واعتمد هذا التحول على إصلاح وتحرير الاقتصاد، وهو أمر حتمي تم الحفاظ عليه حتى خلال السنوات الأولى للزعيم الصيني شي جين بينج على رأس البلاد.
لكن على مدار العقد الماضي تضاءل تسامح الحكومة مع الآثار الجانبية المؤلمة للإصلاح واتجهت بكين إلى إصلاحات اقتصادية أسهل.
واتبع قادة الصين استراتيجية تدعم تدخل الدولة أكثر في إدارة الاقتصاد مع تباطؤ معدل النمو في الصين بشكل ملحوظ.
تراجع النمو
وأقرت الحكومة الصينية بأن الدولة قد أخفقت كثيرًا في تحقيق مستهدف النمو للعام الماضي وسجلت الصين نموًا سنويًا بنسبة 3% فقط ، أي أقل بكثير من هدفها البالغ 5.5% وهو يعد أبطأ نمو في الصين منذ سبعينيات القرن الماضي.
وأرجع القادة في بكين هذه النتيجة إلى تبعات مكافحة وباء كورونا وأن تلك هي انتكاسة مؤقتة وأن القوة الشرائية للمستهلكين الصينيين والمزيد من الدعم الحكومي للبنية التحتية والاستثمار سيمكن البلاد من التعافي مع توقعات بتحقيق معدل نمو حوالي 5% خلال العام الحالي 2023.
ويؤكد المتفائلون أن الاقتصاد سيعود إلى وتيرته السريعة السابقة الآن بعد أن تخلت البلاد عن عمليات الإغلاق والقيود المفروضة تنفيذا لسياسة "صفر كوفيد". إلا أن الاقتصاد الصيني كان يتباطأ بسبب عوامل وأسباب هيكلية سبقت مرحلة تفشي الوباء.
ويدرك المراقبون أن الاقتصاد الصيني لم يعد قادرًا على تحقيق معدلات النمو المذهلة التي حافظ عليها في العقود السابقة. على سبيل المثال ، ففي أحدث توقعات صندوق النقد الدولي، يرتقب أن يتعافى الاقتصاد الصيني في العام الحالي لكنها تتوقع أن ينخفض النمو إلى أقل من 4% بعد عام 2024. وهذا أقل بكثير من توقعات صندوق النقد الدولي السابقة ، فضلاً عن توقعات الاقتصاديين الصينيين التي تم الاعتماد عليها لوضع هدف مضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035.
أسباب التباطؤ في الصين
وتستند التوقعات طويلة الأجل للنمو الاقتصادي المحتمل إلى ثلاثة عوامل تتمثل في التركيبة السكانية، والاستثمار الرأسمالي، والإنتاجية.
وتعاني الصين من شيخوخة السكان وتراجع معدلات المواليد في سن العمل ومن المتوقع أن يتضاعف عدد الصينيين الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا بين عامي 2020 و 2040 وفقًا لتقرير التوقعات السكانية العالمية للأمم المتحدة.
وتوقع التقرير أن يتباطأ نمو الاستثمار الرأسمالي في الاقتصاد بسبب سلسلة من التخلف عن السداد في الأعمال التجارية والبنوك، والعجز المالي للحكومات المحلية المثقلة بالديون، وانخفاض عائدات الاستثمار.
ووفقا لتقرير فورين أفيرز، لم تسفر سنوات من الإقراض غير المقيد عن تحقيق نتائج إيجابية في دعم النمو الذي يقوده الاستثمار ولا يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في المستقبل كما كان في الماضي لأن نمو الإنتاجية قد انخفض بالفعل إلى مستويات متدنية.
ويمكن للصين استعادة نمو الانتاجية إذا تم وضع الأداء الاقتصادي فوق كل اعتبار وتشجيعه من خلال تنفيذ الاصلاحات التي تعهد الرئيس الصيني بتنفيذها في عام 2013 ، ولكن تم تأجيلها بعد أن ثبت أن تنفيذها يمثل تحديًا سياسيًا كبيرًا.