أصبح صندوق الخسائر والأضرار، الذي يوفّر التمويل للدول المتضررة بشدة من الكوارث المناخية، رسميًا في اليوم الأول من قمة المناخ في دبي COP28، بعدما ناضلت الدول النامية بشأنه لمدة 30 عاماً.
عندما أعلن الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي رئيس مؤتمر الأطراف "COP28"، في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر عن تفعيل الصندوق، ضجت القاعة بالتصفيق، وتنفس مندوبو الدول النامية الصعداء، وشعرت الجماعات البيئية ونشطاؤها بالرضا، فالعدالة المناخية تنتصر أخيرًا.
لطالما استقرت قضية العدالة المناخية في خلفية المفاوضات العالمية بشأن تغير المناخ لسنوات عدة، وبرزت بالأساس عندما كشفت الأزمة العالمية عن تأثر البعض بتغير المناخ أكثر من غيرهم، وأن ثمة أشخاصا يتحملون مسؤولية آثاره أكثر من غيرهم أيضًا.
يهدف مصطلح العدالة المناخية إلى وضع مسألة الاحتباس الحراري ضمن إطار القضايا والمشكلات السياسية والأخلاقية، بدلاً من كونها قضية بيئية أو فيزيائية بحتة في الطبيعة.
يحدث ذلك عبر ربط تأثيرات الاحتباس الحراري مع مبادئ العدالة، وعن طريق استكشاف بعض القضايا الناجمة عن الاحتباس الحراري، مثل المساواة وحقوق الإنسان والحقوق الجماعية والمسؤوليات التاريخية.
انتشر مصطلح العدالة المناخية بسبب حقيقة عدم تكافؤ توزيع الآثار الضارة الناجمة عن الاحترار العالمي، إذ لا يشعر بها الناس بشكلٍ عادلٍ ومنصف. فكثيراً ما تتكبد المجتمعات المحلية المهمشة أو المحرومة من الخدمات آثار التغير المناخي أكثر من غيرها.
على سبيل المثال، تتأثر أفقر البلدان والفئات السكانية الأشد ضعفاً، لا سيما تلك التي تعتمد اقتصاداتها على الزراعة، أكثر من غيرها بالتغير المناخي على الرغم من أنها أسهمت بأقل قدر في انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للظاهرة.
باكستان مسؤولة فقط عن أقل من 1% من الانبعاثات الكربونية العالمية، وهي نسبة قليلة جداً، لكنها رغم ذلك ضمن أكثر عشر دول معرضة لمخاطر المناخ، وباتت أحد أبرز الأمثلة على الخسائر والأضرار المناخية مؤخرًا.
عندما ضربت الفيضانات الكارثية باكستان في 2022، وخلفت خسائر قدرت وقتها بـ300 مليار دولار، خرج رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، للعالم متسائلا: "لماذا يدفع شعبي ثمن ارتفاع درجة حرارة الأرض من دون أن يكون قد اقترف أي خطأ من جهته؟ الطبيعةُ صبّت غضبَها على باكستان من دون النظر إلى تأثيرها الكربوني الذي لا يوازي شيئاً".
سيناريو مشابه لما حدث في باكستان، وقع في جارتنا ليبيا قبل أشهر قليلة، عندما اجتاحت مدينة درنة فيضانات قياسية تسببت في خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، وكان تغير المناخ أحد أسباب تفاقم الكارثة.
لا أحد سينجو من آثار تغير المناخ كما يؤكد العلم، لكن الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، ذات الاقتصاد الأقل قدرة على تحمل الصدمات، ستكون أكثر عرضة للأضرار، لأنها غير مستعدة، واستجاباتها بطيئة، وأموالها شحيحة، وديونها تثقل كاهلها.
لذا من ضمن أهداف “العدالة المناخية”، تحميل الدول الغنية المسببة لتلوث المناخ، والأقل تضررًا منه، بسبب جاهزيتها للتعامل معه وقدرتها على تحمل الخسائر، المسؤولية عن الأضرار التي تلحق بالدول الفقيرة جراء تفاقم الأزمة، وعلى رأسها الخسائر الاقتصادية وغير الاقتصادية الناجمة عن آثار تغير المناخ.
كانت المفاوضات المناخية طوال 30 عاماً تتمحور حول هذا الأمر: "من الظلم أن تتحمل البلدان أو المجتمعات أو الأفراد الأكثر تأثرًا، الأضرار والخسائر وحدها، وعلى المتسبب في الأزمة أن يدفع، أو على الأقل يساهم في علاج الضرر".
لكل هذه الأسباب ولغيرها، يعتبر إنجاز تفعيل صندوق الخسائر والأضرار في COP28 انتصاراً حقيقياً للعدالة المناخية، وقفزة واسعة للأمام نحو إنقاذ المجتمعات الأكثر تضرراً من أزمة المناخ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة