تعيش دولة الإمارات أياماً تاريخية باستضافة الحدث العالمي الأبرز COP28، في مدينة إكسبو دبي التي أصبحت أيقونة الأحداث الدولية المهمة.
وما جعل الحدث أكثر جمالاً هو تزامنه مع احتفالات عيد الاتحاد الـ52، ما جعلها فرصة لاستعراض مسيرة الإنجازات الإماراتية ونهضتها الحضارية.
وشكل استقبال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، لقادة العالم المشاركين في مؤتمر المناخ، علامة فارقة في تاريخ الدولة الحديث.
وتميز COP28 عن الدورات السابقة، بسلسلة الفعاليات المصاحبة للحدث بكل مجالاتها، بما فيها استحداث جناح الأديان لأول مرة، وهي فكرة فريدة تستغل الدبلوماسية الدينية في جهود مكافحة تحديات المناخ.
بالإضافة إلى تخصيص يوم للإغاثة والتعافي والسلام، بهدف تسليط الضوء على الروابط بين التحديات الأمنية والسياسية وتأثيرها على جهود التغيرات المناخية، فاضطراب الأمن والاستقرار يؤثر على الجهود المناخية، بينما الحروب والنزاعات تخلف أثاراً كارثية على البيئة.
ولفت انتباهي المخرجات المهمة منذ بداية الحدث، ولعل أبرزها موافقة الدول على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار لتعويض الدول المتضررة من التغيرات المناخية ما يعكس الجهود الإماراتية الكبيرة لتأمين الموافقات اللازمة خلال فترات التحضير للمؤتمر.
وكانت مبادرة الإمارات بإيداع 100 مليون دولار في الصندوق، بمثابة الرافعة التي أوصلت تمويل الصندوق إلى نحو 300 مليون دولار، ما يعكس استثنائية هذه الدورة من مؤتمر المناخ عبر تاريخها، لما لها من مخرجات مهمة تحفز العمل الجماعي، والتضامن بين الدول لمكافحة تغيرات المناخ.
وتضاعف الحراك العربي المناخي خلال العقد الماضي، ما يفسر استضافة الدول العربية لثلاثة قمم مناخية، في مراكش وشرم الشيخ وصولاً إلى COP28 في دبي.
وبالرغم من أن المنطقة العربية لا تشكل نسبة مرتفعة في تلوث الهواء، إذا ما قارناها بالمناطق الأخرى في العالم، ما يعكس انخراط الدول العربية المحورية في الملفات التنموية والقضايا العالمية، لتلعب دوراً مؤثراً في الانتقال التدريجي نحو الحياد الكربوني، وليست مصادفة أن الدول الأكثر تلويثاً للبيئة، لم تستضف أي مؤتمر للأطراف بشأن المناخ.
وتظل الدول الغربية والإسكندنافية خصوصاً ألمانيا من أكثر الدول المهتمة في ملف المناخ، وهناك إجماع دولي على مخرجات COP21 في باريس على حصر زيادة الاحترار المناخي في حدود 1.5 درجة، ولا تتجاوز سقف 2% في نهاية القرن الحالي، والوصول إلى الحياد الكربوني في عام 2050.
إلا أن هذه المضامين والتعهدات لم تفعل بشكل كامل بسبب الأزمات الاقتصادية التي مر بها العالم، نتيجة للتنافسات الجيوسياسية وتفاعلات الحروب والأزمات، وآخرها جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية.
التحديات المصاحبة للتغيرات المناخية مثل التصحر والفيضانات والأعاصير والجفاف، ليس ببعيدة عن كوارث الحروب، فأفريقيا خسرت كثيراً في احتياطها الطبيعي من الغابات، وجفت العديد من الأودية في العالم، وكان عام 2023 الأكثر حرارة منذ عام 1880 بحسب وكالة ناسا الأمريكية.
ويختلف تأثير التغيرات المناخية من منطقة إلى منطقة، فدول الشرق الأوسط وأفريقيا معرضة لمخاطر المياه والغذاء، بينما الجانب الشمالي من الكرة الأرضية يتعرض الى ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة.
ولهذا الرهان الدولي كبير على نتائج COP28، وقدرة دولة الإمارات على تعزيز التضامن الدولي، وتقريب مسافات الخلافات حول الأولويات والمصالح والاستراتيجيات، بعد سنوات من إعلان باريس.
فتكلفة التأخير ستكون وخيمة على كوكب الأرض للأجيال الحالية والمستقبلية، حال ظلت أزمة التغير المناخي رهينة للخلافات بين الأطراف، خصوصاً أن السنوات الماضية لم تشهد التزاماً ملموساً من الدول الكبرى والأكثر تلويثاً للبيئة.
ومع قدوم المؤتمر إلى دولة الإمارات باتت نافذة الحلول واسعة، فالدبلوماسية الإماراتية قادرة بمصداقيتها وشفافيتها على الخروج بحلول مرنة وفعالة ومبتكرة لمشكلة المناخ، بعيداً عن الزوايا الضيقة وأقرب إلى الواقعية، وهو ما يجعلها تتميز في ملف المناخ.
فبالرغم من كونها من أهم الدول المصدرة للنفط، إلا أنها ملتزمة بمبادئ إنسانية راسخة للحفاظ على مستقبل آمن ومستقر لشعوب العالم. ولهذا، كانت دولة الإمارات من أوائل الدول التي حددت استراتيجيات واضحة لتحقيق الحياد المناخي عام 2050، نحو الانتقال إلى اقتصاد أخضر وطاقة نظيفة، قادرة على التكيف بالتزامات تغير المناخ وتداعياته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة