"الصياد الصغير" في غزة.. لم يعش حياته
الطفل الفلسطيني محمود حسين الأسطل يستيقظ كل يوم فجراً وأول من يتعامل معه هو البحر، لا فرق باستثناء أيام النوات والأمطار الشديدة
يستيقظ فجراً قبل أن يشع نورُ الصباح، ويلف رأسه بكوفية ويرتدي معطفه الثقيل، متجها إلى الشاطئ، حاملاً شباك الصيد على ظهره، باحثا عن لقمة عيش، إنه الطفل الفلسطيني محمود حسين الأسطل، الذي يمضي السنة الثالثة من عمره مع رمال الشاطئ، وشباك الصيد والسنانير، والذي يعتبر أصغر صياد في حي المجايدة غرب محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة.
ويقول محمود، الذي لم يتجاوز 16 سنة، لـ"العين الإخبارية": "تركت مدرستي والتحقت بالعمل صياداً رغم صغر سني للأوضاع الصعبة التي تعيشها عائلتي، وعمل والدي في الزراعة لا يكفي متطلبات الحياة ومستلزماتها، لذا وأنا في عمر 13 سنة طلبت من عمي أن يصحبني معه لتعلم الصيد، وأن أكون صبياً لديه، أخدمه وأتعلم منه ومن الصيادين طريقة رتق الشباك، وربط السنانير، وجر المركب الصغير باتجاه البحر".
ويضيف: "اليوم أكمل السنة الثالثة مع البحر، وعدت إلى مدرستي بعد أن انقطعت عنها سنة كاملة، ولكن دراستي تبدأ في الفترة المسائية، وأحمد الله أنني أصبحت ملماً بالصيد ورتق الشباك وجر الحسكة والمركب، وترتيب مستلزمات الصيادين، ودخلي المادي رغم قلته وفر لعائلتي مصدراً مهماً لتلبية متطلبات الحياة".
وعن العقبات التي تواجهه يقول محمود: "الحياة صعبة ولم أعشها كما يعيشها أبناء جيلي، لأنني قررت أن أحمل مسؤولية عائلتي منذ صغري، وأن أساند والدي، وعندما أذهب إلى المدرسة أختلط بزملائي الذين لا يعرفون سوى التعليم والعيش بدون عمل، هؤلاء يعيشون طفولتهم وأما أنا فلا خيار لدي لكي أكون مثلهم، فحياتي للشباك والسنانير والقفة والحسكة والقارب والبحر".
وتابع: "أستيقظ كل يوم فجراً وأول من أتعامل معه هو البحر سواء في الصيف أو في الشتاء، لا فرق باستثناء أيام النوات والأمطار الشديدة، وعن دراستي فأنا لست متحمساً جداً لإكمالها لأنني أعرف الكثيرين من الذين تخرجوا من الجامعات ولا يعملون وهم عبء على عائلاتهم، وكل ما أريده أن أتعلم القراءة والكتابة جيداً وحصولي على الثانوية العامة بأحسن الحالات، إلا إذا تغيرت أحوال قطاع غزة وأصبح للمتعلمين مكانة وفتحت لهم أسواق العمل".
وعلى نفس الطريق الذي سلكه محمود سار محمد حسين، 17 سنة، الذي قال لـ(العين الإخبارية): "منذ سنتين نزلت البحر وأصبحت صياداً قبل أشهر فقط، لأنني اشتغلت حمالاً للشباك وتعلمت رتقها وتجهيزها على الشاطئ، أما اليوم فأنا أدخل البحر ولكن مناوبتي غالباً تكون في الليل بعد الساعة الـ8 مساءً حتى الفجر، لمد الشباك قرب الصخور على بعد 6 أميال بحرية، والانشغال بصيد السنانير حتى ساعات الفجر، لجمع الشباك وسحبها من البحر".
وأضاف: "العمل بالبحر أفضل بكثير من أي عمل خارجه لأن البطالة والظروف القاسية التي يعيشها سكان قطاع غزة تكاد تطيح بكل مقومات الحياة".
ويقول محمد الذي ترك المدرسة بشكل نهائي إنه لا يود العودة إليها، لأن ظروف عائلته لا تسمح بذلك بسبب مرض والده الذي أقعد تماماً عن العمل.
وتابع: "كنت مجتهداً في المدرسة، وأحب التعليم ولكن الظروف أجبرتني على تركها ودخول البحر، والعمل مع الصيادين، بعد محاولات كثيرة، حيث كانوا يرفضونني دائما، وعندما عرفوا ظروفي سمحوا لي بالعمل معهم بأجر رمزي، حتى أصبحت اليوم الساعد الأيمن للريس، ويعتمد عليّ بأشياء كثيرة".
محمود ومحمد غير نادمين على العمل صيادين في البحر، ولكنهما يحلمان بمركب كبير وشباك ذات جودة عالية، والحصول على ترخيص صيد من قبل إسرائيل لدخول أكثر من 12 ميلا بحريا، كما أنهما يطالبان بضرورة تدخل الجهات المختصة في قطاع غزة لمنع المراكب الجرافة من التجريف في المساحات القريبة من اليابسة بسبب قتلها لبذرة السمك، وتهديد الثروة السمكية.