إن إيران لا تشبه أي دولة أخرى من حيث تراتبية الحكم فيها؛ فالمرشد بيده السلطة العليا في البلاد، وقدرته على امتصاص أي أزمة سياسية أو اقتصادية أمرٌ لا خلاف عليه.
لكن في الوقت نفسه، فإن حادثة سقوط مروحية الرئيس السابق إبراهيم رئيسي ورفاقه، ليست حدثاً عابراً، من الممكن تجاوزه بسهولة.
أولاً: سيناريو صعود محمد باقر قاليباف رئيس مجلس الشورى الحالي )البرلمان(، والمرشح السابق والمحتمل الآن، هو السيناريو الأرجح حصوله، نتيجة انتساب الرجل للمعسكر الأكثر تشدداً داخل الحلقة الضيقة المتصلة بمكتب المرشد، وأغلب الظن أن قاليباف سيكون الأكثر حظاً بين المرشحين على طاولة علي خامنئي.
ثانياً: لن يترك المرشد الإيراني الباب مفتوحاً على مصراعيه للإصلاحيين في إيران كي يدفعوا بمرشح منافس، ذي وزن أو قيمة، فما يسمى مجلس صيانة الدستور )المحكمة العليا(، سيكون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه تقديم أوراق ترشحه لخوض السباق الانتخابي الرئاسي، وبالتالي فإن عدد الذين سيترشحون رسمياً لن يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
ثالثاً: نجل المرشد )مجتبى( سيكون في كواليس أي اختيار، وسيرجح كفة أي مرشح، وهو راضٍ حتى اللحظة عن قاليباف، ولديه أوراق اللعبة عند اللزوم، وهو من دفع مباشرة، بعلي باقري كني ليكون وزير الخارجية الجديد خلفاً للقتيل حسين أمير عبداللهيان، كون باقر كني تربطه مصاهرة بعائلة المرشد.
رابعاً: مجلس خبراء القيادة في إيران بات حبيس خيارات بيت المرشد كما يقول الإيرانيون؛ فالانتخابات الأخيرة لهذا الكيان، أسفرت عن وجوه جديدة مقربة من مجتبى، وتم استبعاد الإصلاحيين بمن فيهم الرئيس السابق حسن روحاني، وهذا المجلس الغريب العجيب له الكلمة الفصل في اختيار المرشد الأعلى للبلاد بعد موت خامنئي، لكنّ الإيرانيين المطلعين يلتزمون همساً بالقول: تم اختيار المرشد الجديد، لكنّ تسميته رسمياً تبقى سراً دفيناً حتى يُعلن عن وفاة الحالي.
خامساً: من المؤكد أن منصب رئيس البلاد في إيران لا يتمتع بصلاحيات واسعة، فهو أشبه بمنصب نائب رئيس وزراء في بعض الدول، لكنّ الرجل الخمسيني )مجتبى( يجتهد في الحفاظ على ربط النزاع مع دول الجوار، وعدم انسياق الحرس الثوري لمغامرات جديدة. إن الطريق بات معبداً لـ)مجتبى( الآن كي يسيطر على الحرس بأكمله بعد مغادرة إبراهيم رئيسي للمشهد الإيراني دون عودة.
سادساً: لن تحمل الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران أي مفاجآت تذكر؛ لكنها ستكون علامة فارقة في تاريخ الجمهورية الإيرانية الجديدة التي ينشدها مجتبى، كون الاقتصاد منهارا، والعملة الوطنية في أسوأ أحوالها، والاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية فشل في العودة للحياة مجدداً، والرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن من الصعوبة بمكان بقاؤه في البيت الأبيض بولاية رئاسية جديدة، فيما سيمثل سلفه دونالد ترامب حال فوزه برئاسيات العام الجاري، كابوساً قديماً جديداً لإيران.
سابعاً: بوسع إيران أن تقول ما تريد حول حادثة سقوط الطائرة الرئاسية، لكنّ حجم الكارثة كشف عن طبيعة الترهل في مؤسسات الدولة الإيرانية، وعجزها حتى عن السيطرة على منطقة حدودية لأكثر من 15 ساعة تم إعلان فقدان الرئيس بها، ولولا المساعدة التركية العاجلة، لطال مكث جثث المفقودين في عمق الغابات الإيرانية.
أخيراً.. لا يمكن إغفال المواقف العربية الرصينة التي أعقبت خبر سقوط طائرة الرئيس الإيراني السابق، لا سيما مواقف دول الخليج العربي الداعية للسلام وحسن الجوار، وتلك رسالة يتوجب على طهران أن تدرسها جيداً وتستفيد منها، فالعرب لا يريدون لجارتهم إيران إلا الاستقرار والهدوء، وعلى قادة النظام الحالي أن يتلقفوا ذلك بمزيد من المراجعات الجدية لسياسات كارثية، خلقت أشكالاً مؤسفة من الاحتلال الإيراني المرفوض لسوريا والعراق واليمن ولبنان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة