مهاجر مصري.. حكاية 17 يوما بجحيم معسكرات طرابلس الليبية
"تركونا نواجه الموت ببطء" بهذه الكلمات المؤثرة لخص مهاجر مصري حكاية 17 يوما من الجحيم في مراكز الاحتجاز في طرابلس الليبية.
وبدأ المهاجر المصري، الذي لم يكشف موقع "مهاجر نيوز" عن هويته، القصة من البحر المتوسط، حيث فشلت محاولته في الهجرة إلى إيطاليا، وأعاده خفر السواحل مع آخرين إلى مركز "أبوسليم" لاحتجاز المهاجرين في طرابلس، لتبدأ المعاناة.
وكانت وزارة الخارجية المصرية حذرت في وقت سابق مواطنيها من السفر إلى ليبيا، في ظل الأوضاع الأمنية المتردية هناك، وإمكانية تعرض حياتهم للخطر.
48 ساعة دون طعام
أول مظاهر المعاناة كان الجوع، إذ قال المهاجر المصري "أمضينا في البحر 48 ساعة، لم نأكل شيئا خلالها"، مضيفا "فور وصولنا إلى مركز أبوسليم في الحادية عشرة مساء، طلبنا من المقيمين هناك طعامًا، لكنهم نهرونا وقالوا الأكل في الصباح".
وأوضح أن المهاجرين وبينهم أطفال وأشخاص كبار في السن، بدأوا في التململ في اليوم التالي بعد تأخر تقديم الطعام، إلا أن وصل في الثامنة مساء وكان عبارة عن معكرونة وماء وصلصة.
وتابع "أكلنا من الجوع الذي اعتصرنا؛ فلم يكن لدينا خيارات أخرى".
ووفق المهاجر المصري، فإن بكاء الأطفال وأنين المرضى كان سيد الموقف في مركز الاحتجاز الذي وصل عدد المحتجزين فيه إلى أكثر من 500 شخص.
وأوضح "لم يكن هناك مساحات كافية للجميع ليستلقوا إذا أرادوا النوم، ولم يكن لدينا ما نلتحف به لنتفادى البرد"، مضيفا "الوضع كان مأساويا للغاية؛ فالطعام لا يصل إلا مرة واحدة في اليوم، والمعاملة سيئة".
بداية التمرد
المهاجر المصري قال: "إثر المعاناة التي لم تنته، والتعب واليأس الذي أحاط بنا، بدأ بعض الأشخاص معنا بافتعال المشاكل ورفع أصواتهم مطالبين بتحسين وضعية احتجازنا، فما كان من الحراس إلا أن اقتحموا أبواب المركز وبدأوا بإطلاق النيران فوق رؤوسنا.. ثم سيطر الذعر على الجميع".
وتابع "خلال الفوضى التي أحدثها الحراس، استغل أحد المهاجرين الأفارقة الفرصة للهرب، لكنهم أمسكوا به وانهالوا عليه ضربا بأعقاب البنادق، ما جعله ينزف بشكل كثيف، حتى إن دماءه غطت جزءا من الأرضية وامتدت إلى إحدى الفرشات الملقاة على الأرض".
قادمون جدد
بعد عدة أيام من هذه الواقعة، أحضر الحراس مجموعة أخرى من المهاجرين الذين تم اعتراضهم في البحر، حتى باتت أعدادنا كبيرة جدا، لدرجة أننا كنا نضطر لتقسيم فترات النوم على بعضنا، على حد قول المهاجر المصري.
وتابع "لم يكن هناك مساحات كافية للجميع ليتمددوا وينالوا قسطا من النوم، ولم يكن هناك أي وسيلة للحفاظ على النظافة الشخصية، فضلا عن أن المركز كله لا يحوي سوى أربعة حمامات "دورات مياه" من المفترض أن تخدم أكثر من 700 شخص".
وأضاف "لم يتح لنا أي فرصة لاتباع إجراءات مكافحة انتشار فيروس "كورونا" بيننا، فكنا متروكين لنواجه موتنا ببطء".
أول الضحايا
وفي اليوم التالي لإحضار مجموعة المهاجرين الجدد، وفق المهاجر ذاته، قرر عدد من الأفارقة الذين كانوا معنا الهرب، فكسروا باب مقر الاحتجاز وانطلقوا مسرعين باتجاه الأسوار، إلا أن الحراس بدأوا بإطلاق النار عليهم، ما أدى إلى مقتل شخصين وإصابة ثلاثة آخرين بجروح بالغة نقلوا على إثرها إلى المستشفى، أما الباقون فتمكنوا من مغادرة ذلك الجحيم.
وأكد المهاجر المصري أن محاولة الهروب دفعت الحراس إلى معاقبة من تبقى من المهاجرين، و"لم يحضروا لنا الطعام بتاتا، ومنعوا وفد منظمة الهجرة من الدخول للاطمئنان إلينا، وكانوا يسبونا ويشتمونا طوال الوقت ويهددون بإطلاق النار علينا".
وتابع "ليلا، كان الحراس يقتحمون المكان ويطلقون النيران فوق رؤوسنا".
الهروب الكبير
وتحدث المهاجر المصري عن واقعة الهروب الأهم، وقال "مع مرور الأيام، شعر بعضنا باقتراب أجله؛ فالظروف المحيطة كانت توحي لنا بأننا لن نغادر ذلك المعتقل بتاتا"، مؤكدًا أن كثيرين ماتوا بيننا خلال تلك الفترة القصيرة، معظمهم صوماليون كانوا يعانون من ضمور شديد بأجسامهم وعدم القدرة على الحركة".
وتابع "اتفق معظم المهاجرين على مغادرة ذلك المركز ولو بالقوة، فاستغلينا الفترة المسائية، والتي يكون فيها معظم الحراس بحالة سكر شديد، وكسرنا الباب وانطلقنا جميعا باتجاه الأسوار".
وتابع: "لم أكن أنظر خلفي، أطلقت قدماي للرياح وأنا أسمع أزيز الرصاص خلفي.. أحدهم سقط بجانبي نتيجة إصابته بالرصاص، لكني لا أعلم حصيلة الإصابات أو القتلى، وسمعت لاحقا أنهم تمكنوا من إعادة حوالي 130 شخصا، ممن لم يتمكنوا من الركض".
واختتم المهاجر المصري روايته، قائلا "أحيا حياة المطاردين وأعيش في خوف دائم من أن يتم القبض عليّ وإعادتي إلى هذا الجحيم".
aXA6IDMuMTI5LjI0OS4xNzAg جزيرة ام اند امز