المهاجرون في طرابلس.. دروع بشرية ووسيلة لثراء المليشيات المسلحة
فاقمت المليشيات المسلحة في طرابلس من معاناة المهاجرين في 2020، حيث اعتبرتهم وسيلة للثراء السريع، وأجبرتهم على الاشتراك بأعمال عسكرية.
وتحول احتجاز المهاجرين داخل مراكز الإيواء إلى أحد أهم المجالات المربحة، ونموذج عمل مغر لشبكات تهريب البشر، لكسب المزيد من الأموال، وسط غياب القانون والمساءلة من قبل ما يسمى بحكومة الوفاق في ليبيا، برئاسة فائز السراج.
دروع بشرية
وثقت منظمة العفو الدولية في تقرير لها نشرته في سبتمبر/أيلول الماضي واطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، ممارسات "إجرامية" ترتكبها المليشيات المسلحة بحق المهاجرين، عبر إجبارهم على المشاركة في عمليات عسكرية، الأمر الذي يعرض حياتهم وسلامتهم للخطر.
وقال أحد اللاجئين لمنظمة العفو الدولية إنه، في مايو/أيار 2020، أخذته ميليشيا تابعة لحكومة الوفاق، مع لاجئين آخرين ومهاجرين آخرين من مركز احتجاز تابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في طرابلس، حيث كانوا محتجزين جميعاً، وأجبروهم لساعات على نقل الذخيرة بين موقعين في طرابلس.
كما تحدث تقرير أممي آخر، عن احتجاز المهاجرين بشكل تعسفي بالقرب من أهداف عسكرية وفي مستودعات لتخزين الأسلحة، ما يعرض حياتهم للخطر.
تمييز عنصري
كشفت منظمة العفو الدولية أن المهاجرين في ليبيا يُقابلون بمجموعة من الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان، ويلقى عليهم اللوم بشكل جائر الآن عن انتشار وباء فيروس كوفيد-19، بناء على آراء عنصرية للغاية وكارهة للأجانب.
وبحسب تقارير أممية، يواجه اللاجئون والمهاجرون انتشار العنصرية وكراهية الأجانب. فكثيراً ما يستخدم المسؤولون الحكوميون، وأفراد المليشيات، ووسائل الإعلام، لغة عنصرية للإشارة إلى الأشخاص من ذوي البشرة السوداء.
وسيلة للثراء السريع
تعتمد المليشيات المسلحة في غرب ليبيا فكرة التمويل الذاتي للمشروع الإرهابي في ليبيا عملا باستراتيجية الذئاب المنفردة، فيما تعمل في الوقت نفسه تحت غطاء خفر سواحل تابعة للسراج وتتلقى ميزانية رسمية على ذلك.
واختارت ميليشيات جنوب طرابلس في الزنتان، بقيادة الإخواني أسامة الجويلي وعماد الطرابلسي، مهمة جلب واستقدام الهجرة غير الشرعية من منطقة الساحل الأفريقي مثل تشاد ومالي والكاميرون ونيجيريا والنيجر وبوركينا فاسو، إضافة إلى دول القرن الأفريقي مثل إريتريا والصومال وإثيوبيا والسودان.
كما خصت حكومة السراج مليشيات الساحل غرب طرابلس، بمهمة تصدير المهاجرين ومن بينهم عناصر إرهابية أرسلتهم للتسلل إلى السواحل الأوروبية تمهيدا لابتزازها لاحقا.
أما ميليشيات شرق طرابلس وتتمركز في تاجوراء فتتولى استخدام المهاجرين العائدين من الرحلات الفاشلة كخدم في المنازل وعمالة مقابل الطعام ودروع بشرية في مراكز الاحتجاز للوقاية من ضربات الجيش الليبي أو قوات الأفريكوم الأمريكية.
تعذيب وتنكيل
وترتكب مليشيات حكومة فايز السراج في طرابلس عمليات تعذيب وتنكيل ممنهجة لابتزاز اللاجئين، للحصول على أموال من ذويهم مقابل حريتهم، بحسب تقرير للأمم المتحدة، أكدت فيه أن المليشيات المسلحة تتخذ المهاجرين رهائن وفرصة للثراء السريع.
وفي أيار/مايو الماضي، هاجمت عائلة أحد المهربين الليبيين مجموعة من المهاجرين من بنجلاديش في بلدة مزدة الصحراوية، وأطلقت النار عليهم ما أدى إلى مقتل 30 منهم على الأقل، وفق المنظمة الدولية للهجرة.
وفي الشهر نفسه، أطلق رجال مسلحون النار على نحو 200 لاجئ ومهاجر احتجزتهم عصابات الاتجار بالبشر بالقرب من بلدة مزدة، فقتل ما لا يقل عن 30 شخصاً، وأصيب 11 شخصاً. ولا يزال مصير الآخرين مجهولاً أو يخشى وفاتهم أو اختطافهم.
وأطلقت المليشيات المسلحة في يوليو/تموز الماضي، النار على مهاجرين كانوا يحاولون الفرار من مركز احتجاز في تاجوراء بطرابلس، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 53 مهاجرا كانوا محتجزين ضمن المئات في مركز يقع في القلب من معسكر للميليشيات المسلحة في طرابلس بمنطقة تاجوراء.
كما قتل عناصر من المليشيا المسلحة في تموز/يوليو، مهاجرين سودانيين في بلدة الخمس الساحلية غرب البلاد، قيل إنهم حاولوا الفرار بعد أن اعترضهم خفر السواحل الليبي في البحر المتوسط.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قتل مهاجر نيجيري في العاصمة طرابلس حرقا على يد عناصر المليشيات المسلحة في المصنع الذي يعمل فيه بمنطقة تاجوراء شرقي طرابلس، وفق ما أعلنت منظمة الأمم المتحدة.
وفي أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني، شهدت العاصمة الليبية، واقعتين منفصلتين، تمثلت الأولى في اختطاف شابين سودانيين، واحتجازهما وتعذيبهما وتوثيق تلك الواقعة في مقاطع فيديو لابتزاز عائلتيهما ومطالبتهما بفدية تقدر بـ7 آلاف دولار مقابل الإفراج عنهما.
فيما تمثلت الواقعة الثانية في تكبيل مليشيات مسلحة بمهاجرين يرجح أنهما من الجنسية المصرية بأغلال من حديد، واحتجازهما في أحد الأماكن بالعاصمة طرابلس، في محاولة لطلب فدية من ذويهما، إلا أن المنطقة العسكرية بطبرق شرقي ليبيا، تمكنت من فك أسرهما.
الموت غرقًا
بعد المعاناة المفرطة في ليبيا، يجازف اللاجئون والمهاجرون بحياتهم في البحر طلباً للأمن والأمان في أوروبا، حتى يتم اعتراضهم، ويُعادون إلى ليبيا، ويسلمون لمواجهة نفس الانتهاكات التي سعوا إلى الفرار منها.
وأعلنت المنظمة الدولية للهجرة في 12 نوفمبر/تشرين الثاني، وفاة ما لا يقل عن 900 شخص خلال 2020 غرقا في البحر الأبيض المتوسط أثناء محاولتهم الوصول إلى الشواطئ الأوروبية، هربًا من المليشيات المسلحة في ليبيا، وبعضهم بسبب التأخير في علميات الإنقاذ.
وسجلت المنظمة الدولية للهجرة زيادة مفاجئة في عمليات المغادرة من البلاد، حيث تم اعتراض وإعادة حوالي 1900 شخص، ووصل أكثر من 780 شخصا إلى إيطاليا من ليبيا، منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول وحده.
وأشارت الوكالة الأممية إلى إعادة أكثر من 11 ألف شخص آخرين إلى ليبيا، الأمر الذي يعرضهم لخطر مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان والاحتجاز وسوء المعاملة والاتجار والاستغلال، كما وثقته الأمم المتحدة.
وقال تقرير مؤسسة (ميغرانتس) التابعة لمجلس الأساقفة الإيطاليين، الصادر في 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري، إن مهاجرا واحدا يصل إلى أوروبا من بين كل 140 ممن ينطلقون من ليبيا، مؤكدا أن 139 آخرين يتم إعادتهم مرة أخرى.
صفقات مع المليشيات
بدافع من الرغبة في وقف وصول المهاجرين واللاجئين بأي ثمن، قدمت دول الاتحاد الأوروبي دعمها للميليشيات المسلحة، في محاولة للتحايل على القوانين الدولية التي تحظر عمليات الإعادةـ من دون اشتراط تقديم ضمانات صارمة في مجال حقوق الإنسان، بحسب تقرير حقوقي.
وتقول منظمة العفو الدولية، في تقريرها، إن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اتخذوا سلسلة من التدابير لمنع الهجرة عبر البحر المتوسط، من بينها "إبرام صفقات مع المليشيات في ليبيا وإعاقة عمل المنظمات غير الحكومية التي تنفذ عمليات البحث والإنقاذ".
وكانت تحقيقات صحفية أكدت أن الأموال الأوروبية الموجهة إلى ليبيا، فاقمت بؤس المهاجرين، بعدما تم تحويل مبالغ ضخمة من هذه المساعدات المالية إلى شبكات متشابكة من رجال المليشيات والمتاجرين وخفر السواحل الذين يستغلون المهاجرين.
وتلقي الأمم المتحدة ومجموعات الإغاثة باللوم في موت المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط جزئيًا على سياسة الاتحاد الأوروبي في الشراكة مع ميليشيا خفر السواحل الليبي الهادفة لمنع المهاجرين من محاولة عبور البحر.
أمل مفقود
في 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ألقت مليشيات تابعة لداخلية فايز السراج، غير الدستورية، القبض على الإرهابي عبدالرحمن ميلاد المشهور بـ"البيدجا" المطلوب للجنائية الدولية والنيابة العامة بتهمة الاتجار بالبشر في طرابلس.
ورغم أن تلك الخطوة قد تبث الأمل في نفوس الكثيرين، إلا أنها وبحسب مصادر، جاءت عقب خروج البيدجا في بث مباشر مؤخرا، فضح خلاله عددا من كبار قادة المليشيات وعلاقاتهم بالخارج وسرقاتهم وعلى رأسهم وزير داخلية حكومة الوفاق، باشا أغا، كما هددهم بما لديه من أدلة ووثائق وبتحريك مليشياته ضدهم.
حق الحماية
وقال المتحدث الرسمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بليبيا، طارق أركاز، في تصريحات سابقة، إن "المدنيين، بمن فيهم المهاجرون واللاجئون المحتجزون، ليسوا مشاركين فاعلين في النزاع، وبالتالي يحق لهم الحماية بموجب القانون الدولي".
وأضاف أن: "تحديد موقع المنشآت العسكرية بالقرب من مراكز الاحتجاز يتعارض بشكل مباشر مع مبادئ القانون الدولي الإنساني."
وشدد المسؤول الأممي على أن "المفوضية ضد احتجاز اللاجئين وطالبي اللجوء، حيث أنهم فروا من بلدانهم بحثاً عن الأمان وعن الحماية الدولية، ولا يجب معاقبتهم على هذا".
أرقام رسمية
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه "في 31 يوليو/تموز 2020، كان هناك أكثر من 2780 شخصا، 22% منهم من الأطفال، محتجزين في مراكز" مخصصة لاحتجاز المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا.
وأحصت الأمم المتحدة "أكثر من 669 ألف مهاجر" على الأراضي الليبية خلال النصف الثاني من العام 2018، بحسب تقرير عن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، العام الماضي.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة أحصت عددا مماثلا للمهاجرين المتواجدين في ليبيا خلال شهري سبتمبر وأكتوبر من العام 2019، بواقع 670 ألف مهاجر، أغلبهم من النيجر (19%)، وتشاد (13%)، والسودان (12%).
إدانات حقوقية
أوضاع المهاجرين السيئة في ليبيا دفعت المنظمات الحقوقية والإنسانية إلى المطالبة بحماية المهاجرين في ليبيا، واعتبار أن السواحل الليبية غير آمنة لإعادة من يتم اعتراضهم في المتوسط أو لرسو سفن الإنقاذ.
وأعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليببا، عن إدانتها واستنكارها الشديدين حيال ما وصفته بالجرائم البشعة والانتهاكات الجسيمة والأفعال الإجرامية المشينة التي يتعرض لها بعض المهاجرين الأفارقة.
وحملت اللجنة دول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها إيطاليا المسؤولية الأخلاقية والإنسانية والقانونية تجاه "الجرائم والانتهاكات البشعة والجسمية التي وقعت نتيجة لسياسات الأوروبية والإيطالية الأحادية الجانب في معالجة قضية الهجرة غير الشرعية والتي أدت إلى هذه المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها هؤلاء المهاجرون واللاجئون الأفارقة".
منظمة ”هاتف الإنذار“ نشرت عبر حسابها الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" استغاثات ومطالبات لوقف الدعم الأوروبي لخفر السواحل الليبي وحماية أرواح المهاجرين في ليبيا.
ودعت المبعوثة الأممية، في كلمة لها أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف، 5 أكتوبر/تشرين الأول، إلى الإفراج الفوري عن آلاف المهاجرين المحتجزين، وطالبت بإغلاق مراكز الاحتجاز التابعة للمليشيات المسلحة بطرابلس ووزارة داخلية الوفاق.
aXA6IDMuMTQ0LjEwMC4yNTIg جزيرة ام اند امز