تنهار المجتمعات عبر سلسلة من الشروخ الصغيرة التي تتسلل إلى عمق نسيجها، فتُضعف الروابط وتُفكك منظومة القيم وإذا أردنا أن نقرأ ملامح هذا التفكك، فإننا سنجدها في خمس خطوات خطيرة تُسلك غالباً عن وعي أو عن إهمال.
أولها تدمير الأسرة والتي هي الخلية الأولى في البناء الاجتماعي؛ فعندما يُجرَّد الأب والأم من مكانتهما كقدوة، يفقد الأبناء مرجعيتهم الأخلاقية والنفسية، وتصبح القيم عرضة للتشكيك والانهيار. كما أن إضعاف صورة الأبوين لا يقتصر أثره على البيت فقط، بل يفتح الباب أمام فراغ تربوي سرعان ما تملؤه أنماط سلوك مشوهة قادمة من الخارج.
أما ثانيها فهي الطعن في العلماء والمعلمين؛ فالمجتمعات التي تقلل من شأن علمائها وباحثيها تضعف قدرتها على التطور والابتكار، فضلا عن التشكيك في قيمة الجامعات والمعرفة بما يترك فراغاً خطيراً تملؤه ثقافة سطحية، حيث تغيب البوصلة الفكرية والعلمية، فالعلماء هم ضمير الأمة العقلي، والطعن فيهم يساوي الطعن في العقل الجمعي ذاته.
وأما ثالث خطوة فتتمثل في تراجع التعليم وفقدان قيمه؛ فحينما يصبح التعليم مجرد شهادة بلا مضمون، يتحول إلى عبء بدلا من أن يكون وسيلة نهضة، ومن هنا فإن تراجع مستوى المناهج والمعلمين يعني إنتاج أجيال أقل قدرة على النقد والإبداع وأكثر عرضة للتبعية، وبالتالي فانهيار التعليم يعني انهيار المستقبل قبل أن يولد.
وحتى تكتمل المنظومة لا بد من تدمير خدمات الصحة وهي أساس الاستقرار الاجتماعي، فانهيار القطاع الصحي أو تهميشه يخلق فوضى حقيقية من أمراض متفشية، وثقة معدومة بالمؤسسات، وأعباء اقتصادية مرهقة؛ فالمجتمع المريض لا يستطيع أن يبني أو أن يدافع عن نفسه.
وأخيراً الواسطة وانهيار العدالة؛ فحينما تتحول الكفاءة إلى هامش والواسطة إلى قاعدة، يسقط ركن العدالة الاجتماعية، فتفشي المحسوبية يعني إقصاء الأكفأ وتكريس الفساد والإحباط.. ومع الوقت، يتبخر الإيمان بقيمة العمل، ويفقد الشباب ثقتهم في أي حديث عن تكافؤ الفرص.
إدراك هذه الخطوات الخمس يمنحنا فرصة لمواجهتها حتى نبني مجتمعاتنا على أسس صلبة، أو نترك أنفسنا عرضة لانهيار تدريجي لا رجعة فيه!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة