يقال إن لكل جيل عصرًا ذهبيًا، وإن الماضي كان أجمل، لكنني أرى أن "آخر عصر" هو الذهبي دائمًا، لأن الإنسان بطبيعته يميل إلى تمجيد ما مضى، وينسى كم كان مرهقًا ومتعبًا.
فالماضي، رغم بساطته، لم يكن مريحًا كما يتصور البعض، بل كان زمنًا يختبر فيه الناس صبرهم وقدرتهم على التحمّل.
في الماضي، لم يكن هناك هاتف للتواصل، وإن خرج أحدهم من بيته لا نعرف خبره ولا مصيره. ثم جاء الهاتف الثابت، فظنّ الناس أنهم بلغوا ذروة التقدّم، رغم أنه لا يؤدي سوى غرض الاتصال الصوتي.
بعدها ظهر الهاتف المحمول، فزاد التواصل سهولة، إلى أن جاء الهاتف الذكي الذي جمع الصوت والصورة والخدمات المالية والحكومية في راحة اليد.
ومع كل نقلة، ظنّ الجيل أنه بلغ قمّة التطور، حتى جاء الذكاء الاصطناعي ليعيد تعريف المفاهيم كلّها، ويثبت أن مسيرة الإنسان لا تعرف التوقف، بل تتجه دومًا نحو مزيد من الراحة والكفاءة والدهشة.
وإذا أخذنا مثال السيارة، فالقصة نفسها تتكرر.
من يستطيع اليوم قيادة سيارة يدوية بلا مكيف ولا حساسات ولا كاميرات؟ ومن يرضى أن يعيش ما عاشه السابقون من عناء الطريق؟ التقدم لم ينتقص من مهارة الإنسان، بل من معاناته.
لقد جعل التكنولوجيا من القيادة متعة، بعد أن كانت مشقة.
أما السفر، فحدّث ولا حرج.
ففي الماضي، كانت الرحلة من دبي إلى مكة تستغرق شهورًا، يهلك فيها كثيرون في الطريق. أما اليوم، فالمسافة نفسها تُقطع في ساعات معدودة، بأمان وراحة. فهل من مقارنة ممكنة بين زمن ينهك الجسد، وزمن يمنح الطمأنينة واليسر؟
إن الحنين إلى الماضي مفهوم من زاوية المشاعر، لكنه لا يعني أن الماضي كان أفضل.
البساطة لا تعني الراحة، والحداثة لا تعني الفقد. كل جيل يعيش عصره الذهبي حين يدرك قيمة ما بين يديه، وحين يستخدم أدواته ليصنع حياة أجمل.
فلنترك للماضي احترامه، وللحاضر حقّه، وللمستقبل أمله.
فالجمال الحقيقي ليس في أن نتغنّى بما كان، بل أن نحسن عيش ما هو كائن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة