تركيا والأكراد.. اختبار ترامب الصعب في سوريا
الحرب السورية.. ما يجعلها معقدة جداً هو الصراع على جبهتين: الحرب الأهلية بين قوات المعارضة ونظام الأسد، إلى جانب المعركة ضد داعش
من بين الأسئلة الأكثر إلحاحاً، التي تركت بدون إجابة في الأيام الأخيرة للإدارة الأمريكية بقيادة باراك أوباما، بخصوص محاربة داعش: متى وكيف ستتم استعادة الرقة، العاصمة الحالية للتنظيم الإرهابي في سوريا؟ ومن الذي يقود المعركة، هل هم الأكراد السوريون الذين يتعاونون مع الولايات المتحدة، لكنهم يسعون للحصول على أسلحة أثقل؛ الأمر الذي يثير غضب تركيا، أم قوة أكثر تنوعاً من المقاتلين السوريين، وهو ما قد يستغرق وقتاً لتجميعهم ومن ثم تأجيل العملية برمتها؟
خلال زيارته الأولى إلى البنتاجون، منح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب جنرالاته شهراً لتطوير خطة جديدة لهزيمة تنظيم داعش، وقام نائب وزير الخارجية الأسبق، توني بلينكن، بتقديم دليل دامغ من أجل المضي قدماً في التعاون مع الأكراد. لكن ربما تستفيد إدارة ترامب من التوقف قليلاً من أجل فهم المشهد السوري سياسياً وعسكرياً، بالإضافة إلى معرفة الآثار المترتبة على الخيارات المختلفة.
وفي تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية بعنوان "في سوريا.. يواجه ترامب إجراء توزان قاسٍ بين الأكراد والأتراك"، قالت المجلة، إن ما جعل الحرب السورية معقدة جداً هو الصراع على جبهتين: الحرب الأهلية بين قوات المعارضة ونظام الأسد، إلى جانب المعركة ضد داعش. مضيفة أن إدارة أوباما استغرقت وقتاً طويلاً في مناقشة حلول لهذه الحرب، كما أن الحرب بالوكالة بين الدول المجاورة التي تتصارع من أجل النفوذ في سوريا، زادت الأمر تعقيداً، لا سيما الصراع الأكثر بروزاً بين تركيا والأكراد.
بتشكيل قوات سوريا الديمقراطية، دعمت الولايات المتحدة قوات حماية الشعب الكردية بالشراكة مع عدد صغير من المقاتلين السوريين العرب، لإخراج قوات داعش من مجموعة من الأراضي في شمال سوريا. وطالما اعترضت تركيا على التعاون الأمريكي مع قوات حماية الشعب، نظراً لعلاقاتها المباشرة بحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وتدعي تركيا أنه يتم تبادل المقاتلين بين الجماعتين بحرية، وينتابها القلق من وصول الإمدادين إلى حزب العمال الكردستاني.
فورين بوليسي أوضحت أنه بالرغم من حفاظ إدارة أوباما على التمييز بين الجماعتين، إلا أنه لا يمكن إنكار العلاقات بينهما على أرض الواقع. متابعة أن التقليل من قيمة ذلك، يمزق نسيج التحالف الذي ستحتاجه الولايات المتحدة أكثر خلال السنوات المقبلة. لافتة إلى أنه ينبغي على الولايات المتحدة تطوير سياسات تتناول العلاقات الإقليمية بين الجماعات الكردية.
أصبحت المشكلات المتعلقة بالأكراد أكثر بروزاً في سياسات تركيا الداخلية، وفقاً للمجلة الأمريكية التي أضافت أنه مع اقتراب استفتاء أبريل/نيسان المقبل حول التغييرات الدستورية، ربما يكون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حساساً على وجه الخصوص لأي إجراءات أمريكية مثل تسليح قوات حماية الشعب، من شأنها تقويض دعمه العام.
ووصفت فورين بوليسي المخاوف التركية بالمعقولة، حيث يمكن أن يشن الأكراد هجمات ضد تركيا من خلال وجودهم على طول الحدود معها. علاوة على أن الاعتراض على هذا لا يأتي من تركيا فقط، بل يستنكر كثير من العرب السوريين زيادة وجود قوات حماية الشعب الكردية متهمينها بالتهجير القسري الذي تعتبره منظمة العفو الدولية جريمة حرب، حيث ترفض السماح للعرب بالعودة إلى منازلهم في المناطق التي تم استعادتها من داعش.
دعم أمريكا لقوات حماية الشعب ربما تؤدي إلى سوريا فيدرالية، على حد قول المجلة، التى أشارت إلى أن ترامب أعرب عن رغبته في إعادة تعيين العلاقات مع تركيا، وهذا لن يحدث إذا قامت الولايات المتحدة بتسليح قوات حماية الشعب. الشيء الوحيد الذي يمكن استرضاء أردوغان به، ربما يكون عودة عدوه فتح الله كولن الذي يعيش حالياً في الولايات المتحدة، كما قالت المجلة.
استطردت فورين بوليسي أن ترامب سيحتاج إلى تناول عدد من القضايا، على سبيل المثال ما هي القوات البرية التي ستحمي اللاجئين من هجمات النظام السوري وداعش. مضيفة أنه على إدارة أوباما تطوير نظرية لوضع سوريا الأخير. وأوضحت أنه على الأمريكيين تحديد من الذي سيسطر على باقي البلد خصوصاً المناطق السنية، واصفة هذه المشكلة بالخطيرة، إذا قرر ترامب إبرام اتفاق مع روسيا، لشن عملية مشتركة لمكافحة الإرهاب في الرقة.
كما لفتت إلى أنه على الولايات المتحدة القيام بمحادثة جادة مع الأكراد السوريين قبل انطلاق عملية الرقة. ينبغي على الإدارة الأمريكية إخبار قوات حماية الشعب بمن تستعد واشنطن إلى دعمه سياسياً في سوريا ما بعد الحرب.
واختتمت فورين بوليسي تقريرها بأنه في هذه المرحلة، لم يعد متبقياً سوى خيارات جيدة قليلة بخصوص سوريا. وإذا انتظرت إدارة ترامب العثور على قوة بديلة، تتكون من السنة أكثر وتلقى قبولاً أكبر من قبل تركيا، فستنتظر إلى الأبد، مع تزايد تهديد العمليات الخارجية من الرقة. مضيفة أنه أياً كان خيار الإدارة الأمريكية، سيتطلب تنسيقاً حريصاً ومشاركة دبلوماسية.